ورواية أخرى رواها الكليني عن جعفر أنه قال لأصحابه معلى بن خنيس: (يا معلى , أكتم لأمرنا ولا تذعه , فإنه من كتم أمرنا ولم يذعه أعزه الله به في الدنيا , وجعله نورا بين عينيه في الآخرة , يقوده في الجنة.
يا معلىّ , من أذاع أمرنا ولم يكتمه أذله الله به في الدنيا , ونزع النور من بين عينيه في الآخرة , وجعله ظلمة تقوده إلى النار.
يا معلى , إن التقية من ديني ودين آبائي , ولا دين لمن لا تقية له).
وعلى ذلك قال صدوقهم ابن بابويه القمي:
(اعتقادنا في التقية أنها واجبة , لا يجوز رفعها إلى أن يقوم القائم , ومن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الإمامية , وخالف الله ورسوله والأئمة).
وقال مفيدهم:
(التقية كتمان الحق وستر الاعتقاد فيه , ومكاتمة المخالفين , وترك مظاهرتهم بما يعقب ضررا في الدين أو الدنيا , وفرض ذلك إذن علم بالضرورة أو قوي في الظن).
فهذا هو معتقد الشيعة ومبدؤهم الذي اشتهروا به , وعيّروا عليه , وطعنوا فيه.
ولكن المتصوفة أخذوه بكامله عنهم , وزادوا عليهم حيث اتهموا رسول الله بتهمة برّأ الله ساحته عنها بقوله: {وما هو على الغيب بضنين}.
واستندوا بحديث مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع علمهم بأنه هو القائل: (من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار).
فقالوا:
(أمر الله نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بكتم أشياء مما لا يسعه غيره للحديث المروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: أوتيت ليلة أسري بي ثلاثة علوم , فعلم أخذ عليّ في كتمه , وعلم خيّرت في تبليغه , وعلم أمرت بتبليغه.
فالعلم الذي أمر بتبليغه هو علم الشرائع , والعلم الذي خيّر في تبليغه هو علم الحقائق , والعلم الذي أخذ عليه في كتمه هو الأسرار الإلهية ولقد أودع الله جميع ذلك في القرآن. فالذي أمر بتبليغه ظاهر. والذي خيّر في تبليغه باطن لقوله (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) وقوله (وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق) وقوله (وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه) وقوله (ونفخت فيه من روحي) فإن جميع ذلك له وجه يدلّ على الحقائق ووجه يتعلق بالشرائع , فهو كالتخير , فمن كان فهمه إلهيا فقد بلغ ذلك , ومن لم يكن فهمه ذلك الفهم وكان مما لو فوجئ بالحقائق أنكرها , فإنه ما بلغ إليه ذلك لئلا يؤدي ذلك إلى ضلالته وشقاوته. والعلم الذي أخذ عليه في كتمه فإنه مودع في القرآن بطريق التأويل لغموض الكتم , فلا يعلم ذلك إلا من أشرف على نفس العلم أولا , وبطريق الكشف الإلهي , ثم سمع القرآن بعد ذلك , فإنه يعلم المحلّ الذي أودع الله فيه شيئا من العلم المأخوذ على النبي صلى الله عليه وسلم في كتمه وإليه الإشارة بقوله تعالى (وما يعلم تأويله إلا الله) على قراءة من وقف هنا , فالذي يطلع تأويله في نفسه هو المسمى بالله فافهم).
ويقول أبو نصر السراج الطوسي:
(إن حقائق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وما خصّه الله تعالى به من العلم , لو وضعت على الجبال لذابت إلا أنه كان يظهرها لهم على مقاديرهم).
أي لم يظهر النبي صلى الله عليه وسلم جميع العلوم التي كان قد خصه الله بها – حسب زعمهم – وذلك لأجل أن الناس لم يكونوا يقدرون على حملها ومعرفتها.
وبمثل ذلك نقل الشعراني عن سيده محمد الحنفي أنه قال:
(وههنا كلام لو أبديناه لكم لخرجتم مجانين لكن نطويه عمن ليس من أهله).
وهذا عين ما ذكره الشيعة عن جعفر بن الباقر أنه قال:
(إن عندنا والله سرا من سرّ الله , وعلما من علم الله , أمرنا الله بتبليغه , فبلّغنا من الله عز وجل ما أمرنا بتبليغه , فلم نجد له موضعا ولا أهلا ولا حمالة يحتملونه).
ونسبوا إلى علي رضي الله عنه أنه قال:
(إن أمرنا صعب مستصعب لا يحمله إلا عبد امتحن الله قلبه للإيمان , ولا يعي حديثنا إلا صدور أمينة , وأحلام رزينة).
أيضا (لا يحتمله ملك مقرب , ولا نبي مرسل , ولا مؤمن أمتحن الله قلبه للإيمان).
هذا وأن الصوفية اتهموا أبا هريرة رضي الله عنه أنه قال:
(حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم جرابين من العلم: أما أحدهما فبثثته في الناس , وأما الآخر فلو بثثته لقطع مني هذا البلعوم).
كما كذبوا على عليّ بن الحسين زين العابدين أنه قال:
¥