ورأيت لرجل منهم يعرف بان شمعون كلاما نصه أن لله تعالى مائة اسم , وأن الموفي مائة هو ستة وثلاثون حرفا ليس منها في حروف الهجاء شيء إلا واحد فقط , وبذلك الواحد يصل أهل المقامات إلى الحق. وقال أيضا: أخبرني بعض من رسم لمجالسة الحق أنه مدّ رجله يوما فنودي: ما هكذا مجالس الملوك , فلم يمدّ رجله بعدها. يعني أنه كان مديما لمجالسة الله تعالى).
ولذلك قال ابوعلي وفا:
(وبعد الفنا بالله كن كيف ما تشا فعلمك لا جهل وفعلك لا وزر).
ونقل الدكتور عبد الحليم محمود قاعدة عامة للصوفية بقوله:
(اعرف الله وكن كيف شئت).
هذا ولقد ورد في كتب الصوفية حكايات كثيرة لا تعدّ ولا تحصى , تدل على إتيان المتصوفة المنكر , وإباحتهم المحظورات , وتركهم الواجبات , ومع ذلك عدّوهم من أو لياء الله وكبار المستجابين عند الرب تبارك وتعالى عما يقوله الأفاكون علوا كبيرا , عن أن يختار الفسقة الفجرة أولياءه وأصفياءه.
منهم من ذكره (القطب الرباني والهيكل الصمداني العارف بالله عبد الوهاب الشعراني) في طبقاته ذكر أن سيده علي وحيش (كان رضي الله عنه من أعيان المجاذيب أرباب الأحوال , وكان يأتي مصر والمحلة وغيرهما من البلاد , وله كرامات وخوارق , وأجتمعت به يوما في خط ما بين القصرين , فقال لي: ودّيني للزلباني فودّيته له , فدعا لي وقال: الله يصبرك على ما بين يديك من البلوى.
وأخبرني الشيخ محمد الطنيخي رحمه الله تعالى قال: كان الشيخ وحيش رضي الله عنه يقيم عندنا في المحلة في خان بنات الخطا , وكان كل من خرج يقول له: قف حتى أشفع فيك عند الله قبل أن تخرج , فيشفع فيه , وكان يحبس بعضهم اليوم واليومين ولا يمكنه أن يخرج حتى يجاب في شفاعته , وقال يوما لبنات الخطا: أخرجوا فإن الخن رائح يطبق عليكم فما سمع منهن إلا واحدة , فخرجت , ووقع على الباقي فمتن كلهن.
وكان إذا رأى شيخ بلد وغيره ينزله من على الحمارة ويقول له: أمسك رأسها لي حتى أفعل فيها , فإن أبى شيخ البلد تسمّر في الأرض لا يستطيع أن يمشي خطوة , وإن سمع حصل له خجل عظيم والناس يمرون عليه , وكان له أحوال غريبة).
وماذا نستطيع أن نقول بعد سرد هذه الرواية عن الشعراني , ثم مدحه لمثل هذا الفاجر الخبيث , وجعله من أعيان المجاذيب , وأرباب الأحوال , وصاحب الكرامات والخوارق , ومستجاب الدعوات , مأذونا بالشفاعة عند الله , وليس مأذونا فحسب بل شفيعا مقبولا , مبشرا بقبول شفاعته فيمن أراد أن يشفع فيهم , وهل هناك استهزاء بالشريعة , وتعطيل لحدود الله , وتلاعب بأوامر الله ونواهيه , زندقة وإلحاد , وفسق وفجور أكبر من هذا؟
هذا ما لا يوجد له نظير حتى لدى الشيعة , منبع كل فساد , ومصدر كل رذيلة.
ولكن التلميذ قد فاق أستاذه , والمريد مرشده , والمتعلم معلمه.
وهناك آخر من كبار مشائخ القوم , يسمونه قطب الواصلين عبد العزيز الدباغ , يقول:
(إن بعض المريدين قال لشيخه: يا سيدي دلّني على شيء يريحني مع الله عز وجل.
فقال: له الشيخ: إن أردت ذلك فكن شبيها له في شيء من أوصافه عز وجل , فإنك إن اتصفت بشيء منها فإنه يسكنك يوم القيامة مع أوليائه في دار نعيمه ولا يسكنك مع أعدائه في دار جحيمه.
فقال المريد: وكيف لي بذلك يا سيدي وأوصافه تعالى لا تنحصر.
فقال الشيخ: كن شبيهه في بعضها , فقال: وما هو يا سيدي؟
فقال: كن من الذين يقولون الحق , فإن من أوصافه تعالى قول الحق , فإن كنت من الذين يقولون الحق فإن الله سيرحمك , فعاهد الشيخ على أن يقول الحق , وافترقا.
وكان بجوار المريد بنت فدخل الشيطان بينهما حتى فجر بها وافتضها , فلم تقدر البنت على الصبر مع أنها هي التي طلبت منه الفعل , لأنها تعلم أن الافتضاض لا يخفى بعد ذلك ,فأعلمت أباها فرفعه إلى الحاكم , وقال: إن هذا فعل ببنتي كذا وكذا.
فقال الحاكم للمريد: أتسمع ما يقول؟
فقال: صدق , قد فعلت ذلك , كان مستحضرا للعهد الذي فارق الشيخ عليه , فلم يقدر على الجحود والنكران , فلما سمع منه الحاكم ما سمع , قال: هذا أحمق , اذهبوا به إلى المارستان , فإن العاقل لا يقرّ على نفسه بما يعود عليه بالضرر , فدخل المارستان , ثم جاء من رغب الحاكم , وشفع فيه فسرّحوه).
¥