وقال ابن قيم الجوزية في رده على من لم يحتج بخبر الآحاد في العقائد، في كتابه (الصواعق المرسلة)، قال: ((وأما المقام الثامن: وهو انعقاد الإجماع المعلوم المتيقن على قبول هذه الأحاديث، وإثبات صفات الرب تعالى بها. فهذا لا يشك فيه من له أقل خبرةٍ بالمنقول؛ فإن الصحابة هم الذين رووا هذه الأحاديث، وتلقاها بعضهم عن بعض بالقبول، ولم ينكرها أحد منهم على من رواها، ثم تلقاها عنهم جميع التابعين، من أولهم إلى آخرهم ... )) (مختصر الصواعق (577)
وقد كفّر أهل العلم من أنكر نزول عيسى ورفعه، وخروج الدجال لتكذيبه القرآن والسنة المتواترة.
ولو استغربه الشنقيطي بقوله: "
وليس من العلم والعدل النكير على المشككين في تلك الأخبار المضطربة، مثل الشيخ رشيد رضا ومحمود شلتوت ومحمد الغزالي وحسن الترابي.
وأما تكفيرهم بذلك فلا يستساغ أصلا، خصوصا عند المطلعين على جملة تلك الأحاديث، وماذكره فيها أهل العلم من الغرابة والإشكالات. ولو لا تكلف التأويل ونقص الاستقراء لدى هؤلاء المكفرة لما كفروا أحدا بهذا، ولسلكوا سبيل العلم والتحقيق ".
قال الألوسي: " ولا يقدح في ذلك ـ أي ختم النبوة ـ ما أجمعت الأمة عليه، واشتهرت في الأخبار ولعلها بلغت التواتر المعنوي ـ ونطقت به الكتاب ـ على قول وجب الإيمان به، وكفر منكره كالفلاسفة: من نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان، لأنه كان نبيا قبل تحلي نبينا صلى الله عليه وسلم بالنبوة ".
وقال العلامة أحمد شاكر: " نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان مما لم يختلف فيه المسلمون؛ لورود الأخبار الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ومعلوم من الدين بالضرورة، ولا يؤمن من أنكره "
الطبري 6/ 160
قال الشيخ بن باز: " قد تظاهرت الأدلة من الكتاب والسنة على أن عيسى بن مريم عبد الله ورسوله عليه الصلاة والسلام رفع إلى السماء بجسده الشريف وروحه، وأنه لم يمت ولم يقتل ولم يصلب، وأنه ينزل آخر الزمان فيقتل الدجال ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام، وثبت أن ذلك النزول من أشراط الساعة. وقد أجمع علماء الإسلام الذين يعتمد على أقوالهم على ما ذكرنا ....
وأما من زعم أنه قد قتل أو صلب فصريح القرآن يرد قوله ويبطله وهكذا قول من قال إنه لم يرفع إلى السماء وإنما هاجر إلى كشمير وعاش بها طويلا ومات فيها بموت طبيعي وإنه لا ينزل قبل الساعة وإنما مثيله فقوله ظاهر البطلان بل هو من أعظم الفرية على الله تعالى والكذب عليه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم.
فإن المسيح عليه السلام لم ينزل إلى وقتنا هذا سوف ينزل في مستقبل الزمان كما اخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومما تقدم يعلم السائل وغيره أن من قال إن المسيح قتل أو صلب، أو هاجر إلى كشمير ومات بها موتا طبيعيا ولم يرفع إلى السماء، أو قال إنه قد أتى أو سيأتي مثله، وإنه ليس هناك مسيح ينزل من السماء فقد أعظم على الله الفرية بل هو مكذب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ومن كذّب الله ورسوله فقد كفر، والواجب أن يستتاب من قال مثل هذه الأقوال، وأن توضح له الأدلة من الكتاب والسنة فإن تاب ورجع إلى الحق وإلا قتل كافرا".
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة 1/ 429، 431
أدب الشنقيطي مع العلماء.
إن روح الأستاذية التي يكتب بها الأستاذ الشنقيطي أوقعته في تجريح أهل العلم الذين لا يوافقونه في ترجيحاته فقال موجها كلامه للأمام ابن جرير والإمام أبي ثور: " فالذي أراه في هذا الأمر ـ والله أعلم بالصواب ـ أن إمامة المرأة الرجال في صلاة الفريضة بالمساجد لا تجوز قطعا، إذ الأصل في الشعائر الوقف، ولم يرد نص بإمامة المرأة الرجال في الفريضة بالمسجد، فيجب القول بتحريمه رغم أنف القائلين بالإطلاق، مثل أبي ثور والطبري .. (ص 61)
وقال موجها كلامه لابن حجر وساخرا منه: " وقد حاول ابن حجر بتكلف شديد أن يتغلب على الإشكال بالقول: " إن ابن صياد هو شيطان تبدى في صورة الدجال في تلك المدة "
... فهل استيقن ابن حجر أن بن صياد مجرد شيطان وليس هو الدجال الأكبر، وغاب ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .... ؟!
(ص 103)
الشنقيطي وقدسية المبادئ ومكانة الأشخاص.
يردد الأستاذ الشنقطي دائما مصطلح " قدسية المبادئ ومكانة الأشخاص " وهو يعني أن الشخص إذا خالف مبادئ الإسلام وهي نصوصه من الكتاب والسنة، يتبع النص بل ويرى انتقاد من خالفه ولو كان صحابيا.
وأكد هذا الشعار في كتابه عن الترابي بقول (ص 17): " ومما يحسن بيانه هنا أيضا أن هدف هذه الملاحظات ليس الدفاع عن شخص الترابي، فأنا ـ بنعمة من الله ـ ممن يؤمنون بقدسية المبادئ وأرجحيتها على مكانة الأشخاص "
لكن واقع كتاب الشنقيطي خلاف ما يقول هنا، فهو يبرر مخالفته للقرآن والسنن المتواترة بأن فلانا وعلانا قد خالفاها، وكتابه الذي نكتب عنه خير مثال لذلك.
والحق أن الكتاب كله ـ من أوله إلى آخره ـ دفاع عن الترابي ورد على خصومه، وتقرير لما يقول، وإلا فما بال بحث المسائل العلمية ومدح الترابي بكل مناسبة، وذم من يردون عليه في كل قضية.
¥