وعليه فقول الكاشاني إن المتواتر هو القدر المشترك بين هذه القراءات ضلال عظيم وانسلاخ عن الصراط المستقيم؛ لأن مقتضى هذا القول أن الثابت قرءانا هو ما اتفق عليه بين الأئمة وحده، مع طرح المختلف فيه وعدم الاعتداد به قرءانا أصلا، فيقتضي ذلك رد كثير من القرآن وإنكاره وجحوده مما يجر إلى تكذيب الله تعالى والكفر به.فضلا عن خرق الإجماع المستيقن المنعقد على أن ما جمعه عثمان وما أثبته في المصحف كتاب الله المنزل دون زيادة أو حذف، وأن هذه القراءات المتواترة كلا على حده كلام الله المنزل.ألا ترى أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد استصوب قراءة عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم رضي الله عنهما وأخبر أن كلتا القراءتين من عند الله فقال: هكذا أنزلت، وكما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم فأيما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا
وقوله صلى الله عليه وسلم لكل من المختلفين في القراءة أحسنت
وقوله صلى الله عليه وسلم لهما في رواية ابن مسعود كلا كما محسن
قال ابن تيمية رحمه الله: إن كل قراءة مع القراءة الأخرى بمنزلة الآية مع أختها يجب الإيمان بها كلها، واتباع ما تضمنته من المعنى علماً وعملاً، لا يجوز ترك موجب إحداهما لأجل الأخرى ظناً أن ذلك تعارض، بل كما قال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه (من كفر بحرف منه فقد كفر به كله)
وقال الزركشي رحمه الله: وهذه القراءات السبع اختيارات أولئك القراء فإن كل واحد اختار فيما روى وعلم وجهه من القراءة ما هو الأحسن عنده والأولى ولزم طريقة منها ورواها وقرأ بها واشتهرت عنه ونسبت إليه فقيل حرف
نافع وحرف ابن كثير ولم يمنع واحد منهم حرف الآخر ولا أنكره بل سوغه وحسنه وكل واحد من هؤلاء السبعة روى عنه اختياران وأكثر وكل صحيح وقد أجمع المسلمون في هذه الأعصار على الاعتماد على ما صح عنهم
قال أبو عمرو بن عبد البر: أجمع العلماء أن ما في مصحف عثمان وهو الذي بأيدي المسلمين اليوم في أقطار الأرض حيث كانوا، هو القرآن المحفوظ الذي لا يجوز لأحد أن يتجاوزه، ولا تحل الصلاة لمسلم إلا بما فيه … .. وإنما حل مصحف عثمان رضي الله عنه هذا المحل، لإجماع الصحابة وسائر الأمة عليه، ولم يجمعوا على ما سواه … ويبين لك أن من دفع شيئاً مما في مصحف عثمان كفر. () "
ويقول ابن حزم:-
" من قال إن القرآن نقص من بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم حرف أو زيد فيه حرف، أو بدل منه حرف، أو أن هذا المسموع أو المحفوظ أو المكتوب أو المنزل ليس هو القرآن، وإنما هو حكاية القرآن، وغير القرآن، أو قال إن القرآن لم ينزل به جبريل صلى الله عليه وسلم على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، أو أنه ليس هو كلام الله - تعالى - فهو كافر، خارج عن دين الإسلام؛ لأنه خالف كلام الله عز وجل، وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإجماع أهل الإسلام. (3) "
ولا شك أن فساد الفروع نتيجة حتمية لفساد الأصول، فإن هؤلاء الروافض لما ادعوا التحريف والتبديل في القرآن الكريم سهل على مثل الكاشاني أن يستطيل على كتاب الله بهذا الباقعة المفجعة التى تقشعر منها الجلود وتشيب منها الشعور وهي تعادل في الضلال والكفر من ادعى أن في القرآن نقصا، وأن القرآن الذي نتلوه لم يوف إلينا كما أنزل وهذا ليس بالهين عند من يخاف الله ولكنه سهل ميسور عند من يفتري الكذب على آيات الله. {إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بالله وأولئك هو الكاذبون}.وقد بسطنا من قبل الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع والمعقول على بطول هذا القول فليراجع.
ومما زلق فيه الكاشاني قوله ((كما جوزوا (يعني الأئمة) قراءة أصل القرآن بما هو عند الناس دون ما هو محفوظ عندهم))
فيؤخذ عليه أمران:
الأول: تجويزه للقراءة بالمعنى وقد تقدم الرد على ذلك
الثاني: تصريحه بأن عند الأئمة من القرآن ما ليس عند سائر المسلمين حتى احتج له بما نقله عن أئمته من قولهم: اقرؤا كما تعلمتم فسيجيئكم من يعلمكم وذلك
وهذا الحديث إسناده مركب مفتعل
وأما متنه فكذب لا يصح فيكفي في رده النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة الدالة صراحة على حفظ الله لكتابه من أن يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه وقد تقدم بعضها.
¥