تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(أَحَدُهُمَا) صِفَةُ الْوَجْهِ: فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ إثْبَاتُ هَذِهِ الصِّفَةِ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْمُتَكَلِّمَةِ الصفاتية: مِنْ الكلابية وَالْأَشْعَرِيَّةِ والكرامية وَكَانَ نَفْيُهَا مَذْهَبَ الجهمية: مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ وَمَذْهَبَ بَعْضِ الصفاتية مِنْ الْأَشْعَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ صَارَ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ كُلَّمَا قَرَأَ آيَةً فِيهَا ذِكْرُ الْوَجْهِ جَعَلَهَا مِنْ مَوَارِدِ النِّزَاعِ، فَالْمُثْبِتُ يَجْعَلُهَا مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي لَا تُتَأَوَّلُ بِالصَّرْفِ وَالنَّافِي يَرَى أَنَّهُ إذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ صِفَةً فَكَذَلِكَ غَيْرُهَا. (مِثَالُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}. أَدْخَلَهَا فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ طَوَائِفُ مِنْ الْمُثْبِتَةِ والنفاة حَتَّى عَدَّهَا أُولَئِكَ كَابْنِ خزيمة مِمَّا يُقَرِّرُ إثْبَاتَ الصِّفَةِ وَجَعَلَ النَّافِيَةُ تَفْسِيرَهَا بِغَيْرِ الصِّفَةِ حُجَّةً لَهُمْ فِي مَوَارِدِ النِّزَاعِ.

وَلِهَذَا لَمَّا اجْتَمَعْنَا فِي الْمَجْلِسِ الْمَعْقُودِ وَكُنْت قَدْ قُلْت: أَمْهَلْت كُلَّ مَنْ خَالَفَنِي ثَلَاثَ سِنِينَ إنْ جَاءَ بِحَرْفِ وَاحِدٍ عَنْ السَّلَفِ يُخَالِفُ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْته كَانَتْ لَهُ الْحُجَّةُ وَفَعَلْت وَفَعَلْت وَجَعَلَ الْمُعَارِضُونَ يُفَتِّشُونَ الْكُتُبَ فَظَفِرُوا بِمَا ذَكَرَهُ البيهقي فِي كِتَابِ " الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ " فِي قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} فَإِنَّهُ ذَكَرَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ قِبْلَةُ اللَّهِ فَقَالَ أَحَدُ كُبَرَائِهِمْ - فِي الْمَجْلِسِ الثَّانِي - قَدْ أَحْضَرْت نَقْلًا عَنْ السَّلَفِ بِالتَّأْوِيلِ فَوَقَعَ فِي قَلْبِي مَا أَعَدَّ فَقُلْت: لَعَلَّك قَدْ ذَكَرْت مَا رُوِيَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: الْمُرَادُ بِهَا قِبْلَةُ اللَّهِ فَقَالَ: قَدْ تَأَوَّلَهَا مُجَاهِدٌ وَالشَّافِعِيُّ وَهُمَا مِنْ السَّلَفِ. وَلَمْ يَكُنْ هَذَا السُّؤَالُ يَرِدُ عَلَيَّ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا نَاظَرُونِي فِيهِ صِفَةَ الْوَجْهِ وَلَا أُثْبِتُهَا لَكِنْ طَلَبُوهَا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَكَلَامِي كَانَ مُقَيَّدًا كَمَا فِي الْأَجْوِبَةِ فَلَمْ أَرَ إحْقَاقَهُمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ بَلْ قُلْت هَذِهِ الْآيَةُ لَيْسَتْ مِنْ آيَاتِ الصِّفَاتِ أَصْلًا وَلَا تَنْدَرِجُ فِي عُمُومِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: لَا تُؤَوَّلُ آيَاتُ الصِّفَاتِ. قَالَ: أَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْوَجْهِ فَلَمَّا قُلْت: الْمُرَادُ بِهَا قِبْلَةُ اللَّهِ. قَالَ: أَلَيْسَتْ هَذِهِ مِنْ آيَاتِ الصِّفَاتِ؟ قُلْت: لَا. لَيْسَتْ مِنْ مَوَارِدِ النِّزَاعِ فَإِنِّي إنَّمَا أُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَجْهِ - هُنَا - الْقِبْلَةُ فَإِنَّ " الْوَجْهَ " هُوَ الْجِهَةُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ يُقَالُ: قَصَدْت هَذَا الْوَجْهَ وَسَافَرْت إلَى هَذَا " الْوَجْهِ " أَيْ: إلَى هَذِهِ الْجِهَةِ وَهَذَا كَثِيرٌ مَشْهُورٌ فَالْوَجْهُ هُوَ الْجِهَةُ. وَهُوَ الْوَجْهُ: كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} أَيْ مُتَوَلِّيهَا فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} كَقَوْلِهِ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} كِلْتَا الْآيَتَيْنِ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبَتَانِ وَكِلَاهُمَا فِي شَأْنِ الْقِبْلَةِ وَالْوَجْهِ وَالْجِهَةِ هُوَ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْآيَتَيْنِ: أَنَّا نُوَلِّيهِ: نَسْتَقْبِلُهُ. قُلْت: وَالسِّيَاقُ يَدُلُّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا} وَأَيْنَ مِنْ الظُّرُوفِ وَتُوَلُّوا أَيْ تَسْتَقْبِلُوا. فَالْمَعْنَى: أَيُّ مَوْضِعٍ اسْتَقْبَلْتُمُوهُ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير