تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يعني ما تبتني فما عدت لذنبي، وصرت كما تريد فهذا العتب (المذموم) وهو عدم الوقوع في الخطأ مرة أخرى، وهنا كذلك فكان في القلب آفة دفينة من عجب وكبر وغرور وخيلاء وفخر – وهذه كلها مهلكة – من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر لا يدخل الجنة – فابتلاه الله بجريمة الزنا مثلاً، فنكس رأسه وانكسر وبقي يقوم في السحر يقول يا رب، يا رحيم يا كريم استرني في الآخرة كما سترتني في الدنيا، تب علي، فإذن معصية وقع فيما لكنها دفعت عنه معاص ٍ ستدخله أسفل سافلين وهو لا يدري، وحقيقة هذه حكمة لولا الوقوع في المعصية بسبب الشيطان لوقع الناس في أشد من المعاصي الظاهرة.

ولذلك لا يدخل العباد على الرب إلا من باب الذل والانكسار، وكل من تعالى غضب الله عليه يريد وكان أئمتنا يقولون: "من تعالى لله وترفّع لقي عطباً، ومن طأطأ لقي رطباً" فمن تعالى لقي هلاكاً، والذي يريد الرطب يطأطئ رأسه ليتناوله، وهنا كذلك تعاظم يغضب الله عليه (إن عليك لعنتي إلى يوم الدين) بسبب قول إبليس (أنا خير منه) فكلمة قالها أوبقت دنياه وآخرته، أفسدت عاجله وآجله.

وخذ المعصية التي قدرت على نبينا آدم صلى الله عليه وسلم جعلت حاله بعد المعصية خيراً من حاله قبلها بكثير ولا نسبة بين تلك وبين هذه، صار بعد المعصية نبيناً من أنبياء الله كلمه الله قبلاً وأرسله بعد ذلك إلى بنيه وجعله أصل البشر ثم أخبرنا الله أنه اجتباه وتاب عليه وهدى، فمعصية وقعت منه جرته إلى هذه الكلمة التي لا يدخل إنسان على ربه إلا من طريقها (قالوا: ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين).

وكل عبد لا يجعل هذه الكلمة ديدنه، فهو بعيد عن الله، ولا يدخل الإنسان الجنة إلا من هذا (الطريق ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)، فنحن معترفون بذنوبنا وتقصيرنا وتفريطنا لكن مع ذلك نطمع في رحمتك وفي فضلك وأنت واسع المغفرة، ولمن تكون الرحمة إلا للمذنبين أمثالنا.

5 - حصول أنواع العبودية التي يُتقرب بها إلى رب البرية بسبب خلق الذات الإبليسية، حصلت عبادات متنوعة منها:

أ) مجاهدة النفس ب) مجاهدة الكافرين جـ) الاستعاذ بالله من الشيطان الرجيم

والله يحب هذا (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله) ولنا عدوان: عدو ظاهر مكشوف (الكافر)، وعدو باطن مستور (الشيطان) أما العدو الظاهري فنداريه ولا نقاتله ونحاربه، وأما العدو الباطن المستور فلا سبيل إلى محاربته إلا بالالتجاء إلى ربنا، فنقول يا رب، سلطت علينا من يرانا ولا نراه فنسلطك عليه فأنت تراه وهو لا يراك فاكفنا شره وشر أتباعه إنك على كل شيء قدير.

فهذه إذن عبوديات متنوعة حصلت بسبب الشيطان الرجيم، فهذا السبب المذموم يوصل إلى نتائج محمودة، وهذه بعض الحكم من خلق إبليس ذكرناها على عجل وفي بيانها بيان للحكمة من خلق الشرور وأنواع الضر وتقديرها.

وبهذا نتحقق من قول نبينا عليه الصلاة والسلام الذي كان يقوله عندما يناجي ربه في صلاة الليل [والشر ليس إليك] والحديث في صحيح مسلم بشرح النووي (6/ 59) عن علي رضي الله عنه قال [كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يصلي يفتتح صلاته فيقول: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرتُ وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعاً إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك , وأتوب إليك] هذا يقوله في دعاء الاستفتاح قبل أن يقرأ الفاتحة، وهذا من جملة الأدعية المشروعة التي يقولها المصلي إن شاء وإن شاء أن يقتصر على قوله: [وجهت وجهي للذي فطر السموات .... من المسلمين]، وإن شاء أن يقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك وإن شاء قال الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله وبحمده بكرة وأصيلا ً – إلخ دعاء. وإن شاء غيرها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير