تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والشيخ يرى أن ما وقع من سلمة وغيره إنما كان على سبيل التبرك بالبقعة التي مكث فيها النبي صلى الله عليه وسلم وليس على سبيل التأسي والاقتداء، وأن حمل هذا النص على هذين لا يصح، يقول -حفظه الله-: (وأما القول بأنه من باب الاقتداء بالنبي والتأسي به صلى الله عليه وسلم فهذا لا يصح هنا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقال إنه كان يتبرك بنفسه، إنما يصح هذا القول إذا كان المقصود الفعل وهو الصلاة .. ولكن في هذه النصوص التي أوردناها الكلام كله يدور حول المكان، وليس حول الصلاة، فسلمة رضي الله عنه تحرّى المكان الذي كان يصلي فيه النبي صلى الله عليه وسلم من روضته الشريفة، ولم يتحرّ فعله الذي هو الصلاة، حتى يسوغ لك أن تقول: إن مقصوده الاقتداء والتأسي) ا. هـ.

وهذا الكلام غير صحيح، بل كان سلمة رضي الله عنه يتحرى فعل النبي صلى الله عليه وسلم وهي الصلاة في المكان الذي تحراه، فكيف يقال بعد ذلك: (ولم يتحر فعله الذي هو الصلاة)؟! وعليه فما وقع من الصحابة من هذا الجنس وقع تأسياً به في صورة الفعل وفي القصد والمكان، وليس للتبرك كما زعم الشيخ، والذي لا ذكر له مطلقاً في هذه النصوص جميعاً، فكيف يُترك ما نُص عليه في الحديث إلى ما لم يُنص عليه.

وإني لا زلت أعجب من تمسك الشيخ بحديث سلمة هذا مع كونه خارج محل النزاع ودائرة البحث، ولتأكيد ذلك أقول: الشيخ حفظه الله يستدل بالحديث على مشروعية الصلاة والدعاء والمكث في كل مكان لبث فيه النبي صلى الله عليه وسلم ولو لبرهة، ولازم ذلك أن سلمة رضي الله عنه كان يتتبع مجالس النبي صلى الله عليه وسلم ويتحراها بصلاته ودعائه، لكن حقيقة الأمر أنه ما كان يتحراها لا هو ولا غيره بفعل شئ من ذلك، إنما كان يقتصر على ما تحراه النبي صلى الله عليه وسلم وقصده من الأماكن وهذا بين بحمد الله.

أما حديث عتبان والذي فيه: ... وددت يا رسول الله أنك تأتيني فتصلي في بيتي فأتخذه مصلّى. قال فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سأفعل إن شاء الله) ... الحديث، فلا يخرج عما تقدم من قصد ما قصده النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن عتبان أحب أن يتخذ في بيته مصلىً فطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي فيه فوافقه النبي صلى الله عليه وسلم، وصلى في مكان مخصوص نزولاً عند رغبة عتبان رضي الله عنه، فأين في الحديث مشروعية الصلاة بكل مكان لبث فيه النبي صلى الله عليه وسلم ولو لبرهة، وأين في الحديث ما يدل على جواز التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم المكانية، ولو كان الأمر على ما يريده الشيخ لم يلزم أن يصلي النبي صلى الله عليه وسلم في بيت عتبان، بل كان يكفي أن يلبث ولو لبرهة في مكان من البيت ليُتخذ هذا المكان مصلى؟!

وأُذكر هنا بما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الحديث -وإن لم يرق للشيخ- فإن كلامه رحمه الله كلام سديد لا غبار عليه، يقول عليه رحمة الله: (فإنه قصد أن يبني مسجداً وأحب أن يكون أول من يصلى فيه النبى صلى الله عليه وسلم، وأن يبنيه في الموضع الذي صلى فيه، فالمقصود كان بناء المسجد، وأراد أن يصلي النبى صلى الله عليه وسلم في المكان الذي يبنيه، فكانت الصلاة مقصودة لأجل المسجد، لم يكن بناء المسجد مقصودا لأجل كونه صلى فيه اتفاقاً، وهذا المكان مكان قصد النبى صلى الله عليه وسلم الصلاة فيه ليكون مسجدا، فصار قصد الصلاة فيه متابعة له بخلاف ما اتفق أنه صلى فيه بغير قصد) مجموع الفتاوى 17/ 467.

أما استدراك الشيخ على الشيخ السقاف تنبيهه على ما أورده الحافظ ابن حجر من احتمالات في فهم حديث عتبان وقوله بضعفها، فبعضها ضعيف نعم، لكن الشيخ السقاف ما أراد بذكرها إلا التنبيه على الخلاف في فهم الحديث، وأن الكاتب -غفر الله له- اقتصر على جزء من كلام الحافظ وأعرض عن جزء، وأن دلالة الحديث على جواز التبرك ليست قطعية كما ادعى الشيخ في كتابه وكرره في مقاله هذا، بل لا دلالة في الحديث على ما يريده الشيخ من تجويز هذا التبرك، فضلاً عن كون تلك الدلالة المزعومة دلالة قطعية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير