تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولم تكن حوادثنا ــ والسابق ذكره منها ــ من مستجدات زماننا، فالتاريخ يتكرر في أحداثه، ويتَّحِدُ في نتائجه،ورحم الله العلامة الإبراهيمي ت 1385هـ حيث قال: (لامُحَلِّلَ للأحداثِ كالتّاريخ).

وإليك ــ رعاك الله ــ كلام الإمامِ الخطابي ت388هـ فيما نقله عنه الإمام قوَّام السُّنة أبو القاسم الأصبهاني ت535هـ ــ رحم الله الجميع ــ:

((فنحن اليوم في ذلك الزمان وبين أهله (6)، فلا تنكرْ ما تشاهدُه منه، وسَلِ اللهَ العافيةَ من البلاء، واحمده على ما وهب لك من السلامة، ثم إني تدبرت هذا الشأن، فوجدت عظم السبب فيه؛ أن الشيطان صار بلطيف حيلته يسوّل لكل مَن أحسّ من نفسه بفضل ذكاء وذهن، يوهمه أنه إن رضي في علمه ومذهبه بظاهرٍ من السُّنة، واقتصر على واضح بيان منها، كان أُسوة العامة، وعُدَّ واحداً من الجمهور والكافة، فحرّكهم بذلك على التنطُّع في النظر، والتبدع بمخالفة السنة والأثر، ليَبينوا بذلك عن طبقة الدهماء، ويتميزوا في الرتبة عمن يرونه دونهم في الفهم والذكاء، واختدعهم بهذه المقدمة حتى استزلهم عن واضح المحجة، وأورطهم في شبهات تعلقوا بزخارفها، وتاهوا في حقائقها، ولم يخلصوا منها إلى شفاء نفس، ولا قبلوها بيقين علم، ولما رأوا كتاب الله تعالى ينطق بخلاف ما انتحلوه، ويشهد عليهم بباطل ما اعتقدوه، ضربوا بعض آياته ببعض، وتأولوها على ما سنح لهم في عقولهم، واستوى عندهم على ما وضعوه من أصولهم، ونصبوا العداوة لأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولسننه المأثورة عنه، وردّوها على وجوهها، وأساءوا في نقلتها القالة، ووجهوا عليهم الظنون، ورموهم بالتزيد، ونسبوهم إلى ضعف المنة، وسوء المعرفة بمعاني ما يروونه من الحديث، والجهل بتأويله، ولو سلكوا سبيل القصد، ووقفوا عند ما انتهى بهم التوقيف؛ لوجدوا بَرْدَ اليقين، وروح القلوب، ولكثرت البركة، وتضاعف النماء، وانشرحت الصدور، ولأضاءت فيها مصابيح النور، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

واعلم أن الأئمة الماضين، والسلف المتقدمين، لم يتركوا هذا النمط من الكلام، وهذا النوع من النظر، عجزاً عنه، ولا انقطاعاً دونه، وقد كانوا ذوي عقول وافرة، وأفهام ثاقبة؛ وكان في زمانهم هذه الشبه والآراء، وهذه النحل والأهواء، وإنما تركوا هذه الطريقة، وأضربوا عنها؛ لما تخوفوه من فتنتها (7)، وحذروه من سوء مغبتها، وقد كانوا على بينةٍ من أمرهم، وعلى بصيرةٍ من دينهم، لما هداهم الله به من توفيقه، وشرح به صدورهم من نور معرفته، ورأوا أن فيما عندهم من علم الكتاب وحكمته، وتوقيف السنة وبيانها، غنى ومندوحة عما سواهما، وأن الحجة قد وقعت بهما، والعلة أُزيحت بمكانهما ..... )) (8).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ:" كلُّ مَن أعرض عن الطريقة السلفية النبوية الشرعية الإلهية؛ فإنه لابُدَّ أن يضلَّ، ويتناقض، ويبقى في الجهل المركب أو البسيط" (9)

وقال ابن عقيل الحنبلي ت هـ ـ رحمه الله ــ: " ... وأنا أنصحُ بحكم العلم والتجارب:إيَّاكَ أن تتبع شيخاً يقتدي بنفسه، ولا يكون له إمام يعزي إليه ما يدعوك إليه، ويتصل ذلك بشيخ إلى شيخ إلى السفير صلى الله عليه وسلم ...... ثم ذكرَ وصف السُّني في نصيحةٍ مطوَّلةٍ نفيسة (10)

وختاماً: العقل نوعان: عقل أُعين بالتوفيق، وعقل كيد بالخذلان (11)

ثم الصلاة والسلام على خير الأنام، ومن تبعه بإحسان.

* تذكرة:/

(ومَنْ لمْ يَجعلِ اللهُ لهُ نُورَاً فمالَهُ مِن نُور) (12) سورة النور

كتبه:/

إبراهيم بن عبدالله المديهش

الرياض

4/ 1428هـ

الهوامش:/

1. انظر مقالاً للعلامة: محمد الخضر حسين، عن استعمال الألفاظ في غير مواضعها، ومضاره الاجتماعية (الهداية ص117)،وانظر: فقه النوازل للشيخ بكر أبو زيد 1/ 152،والحقيقة الشرعية لبازمول

2. الحجة لقوَّام السنة 2/ 549

3. يُنظر كتاب د. ناصر العقل (الاتجاهات العقلانية الحديثة) ص337،و (العصرانيون) للناصر، الإسلام والحضارة الغربية د. محمد حسين ص52،127، ولم يُخلِهم من قلمه اللاذع العلاّمةُ:أبو فهر محمود شاكر، فقد سماهم أصحاب الباطل المشرق،وهم أخطر من الباطل المظلم، فانظرفي جمهرة مقالاته 1/ 588ــ598،2/ 943، 1051، وللدكتور المسند مقالٌ في الشبكة عن (الليبراليون والدعوة إلى نقد الثوابت) فيه نقولٌ عن الدعوى مُوثقة.

4. وقد أبدى نهاية أسفه،العلاّمة محمد الخضر حسين،مِن صِنفٍ تبوأَ مقعدَ الدعاة المصلحين، ثم اشترى بضاعة الإزدراء بالدين، وعلمائه المخلصين، فارجع إليه مستبصراً محوقلاً، في رسائل الإصلاح2/ 100

5. قال محمد الخضر حسين ــ رحمه الله ــ: (الآراء الفاسدة والشُبه المغوية، تُربي في النفوس الضعيفة أذواقاً سقيمة) رسائل الإصلاح 1/ 99

6. يعني به ما جاء في الحديث الوارد قبل هذا الكلام (إن الدين بدأ غريباً وسيعود كما بدأ .... )

7. ينظر كتاب (هجر المبتدع) للشيخ:بكر أبو زيد ــ ألبسه الله لباس الصحة والعافية وأمد في عمره على طاعته ــ ص 11، 48

8. الحجة في بيان المحجة 1/ 404،وانظر 1/ 347، 2/ 124، 237

9. درء التعارض 5/ 356

10. نقلها شيخ الإسلام في درء التعارض 8/ 67

11. الحجة 2/ 315

12. لا تنس دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من حديث ابن عباس "اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، وعن يميني نوراً .... الحديث

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير