ولكن هناك من هو جدير بأن يقع عليه كلام السلف الصالحين في التحذير والتنفير من البدع وأهلها مطلقاً وهم كل جماعة أو مبتدع فارقوا السنة وأهلها ببدعتهم ووالوا وعادوا عليها من أمثال عمرو بن عبيد وغيلان وابن عربي والحلاج وابن الفجاءة وأتباعهم من المتقدمين ومن المتأخرين والخميني والكوثري ومحمد علوي مالكي وأتباعهم ومن سار على فكرهم.
فلا بد من التفريق بين من إقام البدعة ودعى الناس إليها وضلل وكفر من خالفه فيها وبين من وقع في بدعة متأولاً وغير داعي لها أو منافحاً عنها وهذا هو العدل الذي عليه أهل السنة.
يقول الشريف الدكتور عفا الله عنه:
ومن الخطأ المنتشر بيننا تصوُّرُ أن شرَّ المبتدع مطلقاً أعظم من شر الفاسق. أهـ
ثم علق في الحاشية برقم 36 بما مضمونه أن لشيخ الإسلام في كتاب الإستقامة كلام أذا جمعناه مع كلامه المشهور عنه بأن شر المبتدع مطلقاً أعظم من شر الفاسق يتضح لنا بأن الإطلاق غير مراد!!؟
وعلل الشريف الدكتور بقوله: وكيف يريد الإطلاق؟! وهو نفسُه يرى قبولَ شهادةِ أهل البدع , دون أهل الفسوق!!
أقول والله المستعان:
قال شيخ الإسلام في الإستقامة 2: وكان السلف يحذرون من هذين النوعين من المبتدع في دينه والفاجر في دنياه كل من هذين النوعين وإن لم يكن كفرا محضا فهذا من الذنوب والسيئات التي تقع من أهل القبلة.
وجنس البدع وإن كان شرا لكن الفجور شر من وجه آخر وذلك أن الفاجر المؤمن لا يجعل الفجور شرا من الوجه الآخر الذي هو حرام محض لكن مقرونا بأعتقاده لتحريمه وتلك حسنة في أصل الاعتقاد وأما المبتدع فلا بد ان تشتمل بدعته على حق وباطل لكن يعتقد ان باطلها حق أيضا ففيه من الحسن ما ليس في الفجور ومن السئ ما ليس في الفجور وكذلك بالعكس
فمن خلص من الشهوات المحرمة والشهوات المبتدعة وجبت له الجنة وهذه هي الثلاثة الكلام المنهى عنه والطعام المنهى عنه والنكاح المنهى عنه فإذا اقترن بهذه الكبائر استحلالها كان ذلك أمرا فكيف إذا جعلت طاعة وقربة وعقلا ودينا. أهـ المقصود
فهذا كلام ابن تيمية في الإستقامة الذي جعله الشريف الدكتور معارضاً لقول شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (28/ 470) «ولهذا اتفق أئمة الإسلام على أن هذه البدع المغلّظة شرٌّ من الذنوب التي يعتقدُ أصحابُها أنها ذنوب» , وكقوله فيه (20/ 103): «أن أهل البدع شرٌّ من أهل المعاصي الشهوانية , بالسنة والإجماع».
فهل يا منصفين كلام شيخ الإسلام في الإستقامة يصلح معارضاً لما نقله شيخ الإسلام نفسه من الإتفاق بل والسنة والإجماع بأن أهل البدع شرَّ من أهل المعاصي!!؟
ولمساعدة المنصفين على الجواب أسوق الأدلة من السنة الشريفة على صحة الإجماع المنقول من شيخ الإسلام على أن البدع وأهلها شر من المعاصي وأهلها:
أخرج البخاري في صحيحه 3 عن عمرَ بن الخَطاب أن رجلاً كان على عهدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله وكان يُلقبُ حِماراً وكان يُضحكُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم قد جَلدَهُ في الشراب، فأُتيَ به يوماً فأمرَ به فجُلدَ، فقال رجلٌ منَ القوم: اللهمَّ العَنْهُ، ما أكثرَ ما يؤتى به! فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لا تَلعَنوهُ، فو الله ما علمتُ إلا أنه يحبُّ الله ورسوله».
وروى مالك في موطأه 4 عن زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ،؛ أَنَّ رَجُلاً اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله. فَدَعَا لَهُ رَسُولُ الله بِسَوْطٍ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ. فَقَالَ: «فَوْقَ ه?ذَا» فَأُتِيَ بِسَوطٍ جَدِيدٍ، لَمْ تُقْطَعْ ثَمَرَتُهُ فَقَالَ: «دَونَ ه?ذَا» فَأتِيَ بِسَوطٍ قَدْ رُكِبَ بِهِ وَلاَنَ. فَأَمَرَ به رَسُولُ الله فَجُلِدَ. ثُمَّ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ. قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ الله. مَنْ أَصَابَ مِنْ ه?ذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئاً، فَلَيَسْتَتِرِ بِسِتْرِ الله. فَإنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَناَ صَفْحَتَهُ، نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ الله». ووصله الحاكم في مستدركه وقال على شرط الشيخين.
¥