وأخرج البخاري في صحيحه5 عن أنسَ بن مالكٍ رضيَ الله عنه يقول: «جاء ثلاثةُ رَهْطٍ إلى بيوتِ أزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم يسألونَ عن عبادةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فلما أُخبروا كأَنهم تَقالُّوها، فقالوا: وأينَ نحنُ منَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قد غَفر اللهُ لهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ وماتأخَّر. قال أحدُهم: أما أنا فأنا أصلِّي الليلَ أبداً. وقال آخر: أنا أصومُ الدهرَ ولا أُفطر. وقال آخر: أنا أعتزِلُ النساء فلا أتزوَّجُ أبداً. فجاء رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنتُم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما واللهِ إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصومُ وأُفطر، وأصلِّي وأرقُد، وأتزوجُ النساء، فمن رغِبَ عن سُنَّتي فليسَ مني».متفق عليه
من ما تقدم تعرف يا عبد الله بأن النبي الكريم صلوات ربي وسلامه عليه نهى أصحابه أن يلعنوا صاحبهم السكران وأرشد الزاني لما يدرأ عنه الحد بأن يستر نفسه أذا ابتلي بشيء من هذه المعاصي لعلمه عليه الصلاة والسلام بأن الشيطان لا يفتر بأن يوقع المسلم في الشهوة فالنفس مجبولة عليها إلا من كمل إيمانه وعافاه الله من هذه القاذورات فكان النبي عليه الصلاة والسلام نعم المعلم لصاحب المعصية ولمن أنكر عليه بأن لا يتعدى في إنكاره.
والعكس بالعكس فعندما يأتي بعض الرجال الصالحين فيتحروا عمل خير العابدين صلى الله عليه وسلم , فيرغبوا في الزيادة على السنة بإجتهاد منهم يروموا منه مرضاة ربهم , وفيهم المتبتل الصالح عثمان بن مظعون رضي الله عنه وأرضاه.
فينكر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بل وينسب فعلهم بأنه مفارقة للسنة وأنهم ليسوا منه عليه الصلاة والسلام إن رغبوا عن سنته.
فالفاسق يقال له أستتر بستر الله ويقال لمن يلعنه لا تلعنه , أما الرجل الصالح المتبتل الراغب في زيادة العمل فيقال له من رغب عن سنتي فليس مني!!
بهذا تفهم ما قاله البربهاري 6 رحمه الله:
إذا رأيت الرجل رديء الطريق والمذهب فاسقا فاجرا صاحب معاص ظالما وهو من أهل السنة فاصحبه واجلس معه فإنه ليس تضرك معصيته وإذا رأيت الرجل عابدا مجتهدا متقشفا محترفا بالعبادة صاحب هوى فلا تجلس معه ولا تسمع كلامه ولا تمشي معه في طريق فإني لا آمن أن تستحلي طريقه فتهلك معه.
رأى يونس بن عبيد ابنه وقد خرج من عند صاحب هوى فقال: [يا بني من أين خرجت قال
من عند عمرو بن عبيد قال يا بني لأن أراك خرجت من بيت هيتي أحب إلي من أن أراك خرجت من بيت فلان وفلان ولأن تلقى الله زانيا سارقا خائنا أحب إلي من أن تلقاه بقول أهل الأهواء].
أفلا تعلم أن يونس قد علم أن الهيتي لا يضل ابنه عن دينه وأن صاحب البدعة يضله حتى يكفره. أهـ كلام البربهاري
يقول الشريف الدكتور عفا الله عنه:
إن المبتدع لا يصحُّ أن يُنزَّل مطلقًا في أحد تلك المنازل الشرعية، لأنه قد يكون مؤمنا عدلا ولذلك قبلوا شهادته وقبلوا روايته أيضًا، وقد يكون فاسقا. أهـ
أقول:
لم يكن قبول السلف شهادة و رواية أهل البدع قبولاً مطلقاً , ولا يجوز أن نسمي المبتدع بأنه عدل بشكل مطلق , فالتعديل لهم إنما فيما يروونه أو يشهادوا به وليس في كل شهادة أو كل رواية ومثال ذلك أن البخاري وهو البخاري 7روى للخارجي عمران بن حطان الذي مدح الهالك ابن ملجم قاتل علي بن ابي طالب رضي الله عنه!!
فهولاء الخوارج قد جرحهم الصادق الأمين عليه الصلاة والسلام فكيف يكونوا عدولاً من بعد هذا الجرح النبوي؟
يقول الحافظ ابن حجر 8 رحمه الله:
وينبغي ان يقيد قولنا بقبول رواية المبتدع إذا كان صدوقا ولم يكن داعية بشرط ان لا يكون الحديث الذي يحدث به مما يعضد بدعته ويشيدها فانا لا نأمن حينئذ عليه غلبة الهوى والله الموفق. أهـ
فلا يجوز للشريف الدكتور عفا الله عنه أن يطلق القول بعدالة المبتدع الذي تقبل روايته فالبدعة في ذاتها مسقطه للعدالة , ولا يعضد قوله رواية بعض الائمة عنهم , لأن من روى عنهم من الائمة ذو بصيرة بما يقبلونه وبما يردونه , بل هناك من الائمة من لا يقبل للمبتدعة رواية مثل الإمام مالك , وهناك من لا يرضى أن يحدثهم مطلقاً كزائدة بن قدامة فيما رواه عنه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي والسامع.9
وقال الدكتور الشريف عفا الله عنه:
¥