تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وسأضرب هنا مَثَلًا بأحد أظهر الحقوق التي يُظَنُّ أنها مُنْتَقَصَةٌ من الحقوق الإسلاميّة للمبتدع، ألا وهو تحريم هجر المسلم فوق ثلاثة أيام، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم-: «لا يحلُّ لمسلمٍ أن يهجُرَ أخاه فوقَ ثلاثِ ليالٍ، يلتقيان فَيُعْرِضُ هذا ويُعرضُ هذا، وخيرُهما الذي يبدأ صاحبَه بالسلام».أهـ

أقول:

جاء في الصحيحين بأن النبي عليه الصلاة والسلام جميع زوجاته شهراً كاملاً وكذلك هجر الثلاثة الذين خلفوا في غزوة تبوك.

قال الحافظ في الفتح10: وفيه ترك السلام على من أذنب، وجواز هجره أكثر من ثلاث، وأما النهي عن الهجر فوق الثلاث فمحمول على من لم يكن هجرانه شرعيا. أهـ

وعن عبدِ الله بن مُغفَّلٍ أنه رأى رجلاً يَخذف فقال له: «لا تخذفْ، فإِنَّ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف ـ أو كان يَكرهُ الخَذف ـ وقال: إنهُ لا يُصادُ به صَيدٌ ولا يُنكأُ به عَدوٌّ، ولكنَّها قد تَكسِرُ السنَّ، وتفقأ العين. ثمَّ رآهُ بعد ذلك يخذِفُ فقال له: أُحدِّثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الخَذفِ ـ أو كرهَ الخَذف ـ وأنت تخذِف؟ لا أكلِّمك كذا وكذا».صحيح البخاري11

قال الحافظ ابن حجر 12: وفي الحديث جواز هجران من خالف السنة وترك كلامه، ولا يدخل ذلك في النهي عن الهجر فوق ثلاث فإنه يتعلق بمن هجر لحظ نفسه. أهـ

قلت: ومن هذا الباب يكون هجر أهل البدع كما فعل ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع صبيغ بن عسل رحمه الله.

وقال الدكتور الشريف عفا الله عنه:

وقد تأتي عباراتٌ عن السلف في هذا الباب قد يظنها بعضُنا متناقضة، وقد يكون التناقُضُ في فهمنا لها، لا في تلك العبارات! فيعمد بعضُنا إلى انتقاء ما يريد، وترك ما لا يريد، لا لعدم اطلاعه على ما لا يرتضيه، ولا لكونه قد وجّهَ ما لا يرتضيه توجيها سائغا على ما وَفْقِ ما يرتضيه، ولكنه أغفله وتَعَامَى عنه لأنه لا يرتضيه فقط!! أهـ

أقول: هذا عين ما فعلته يا دكتور وللأسف , فقد تغافلت عن الأقوال المأثورة المتواترة عن السلف والخلف في قبح البدع وسوء مآلها والتنفير عن مجالسة أهلها وإنها هدم للدين فلا يسوغ السكوت عمن يُحدثها ومثال ذلك ما فعلته تجاه أقوال الأئمة مالك واحمد وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وتوجيهها توجيهاً مخل بمقصودهم رحمهم الله.

وسأورد لك أيها القارئ الفطِّن من فعل شيخ الإسلام ما يؤكد قوله رحمه الله في أن أهل البدع يجب أن يجاهدوا ويحذر منهم وينفر من مجالستهم وطرائقهم وذلك يكون بالسنان من قبل ولاة الأمر من الأمراء وباللسان وهذا هو واجب اهل العلم وهم الشق الثاني من معنى وأولي الأمر منكم.

جاء في مجموع الفتاوى 13 القصة العظيمة لشيخ الإسلام في مناظرته للبطائحية الرفاعية وهم فرقة مبتدعة فأنكر عليهم ابو العباس بدعتهم وحذر الناس منهم حتى وصل بهم الأمر للأمير فأشتكوا ابن تيمية عند الأمير فتمت المناظرة , وبعد أن أقتنع الأمير بكلام شيخ الإسلام في هولاء المبتدعة فسأل الأمير ابن تيمية في الواجب تجاه هولاء المبتدعة قائلاً: فبأي شيء تبطل هذه الأحوال.

فقلت – ابن تيمية القائل -: بهذه السياط الشرعية. فأعجب الأمير وضحك، وقال: أي والله! فقال شيخ الإسلام: بالسياط الشرعية، تبطل هذه الأحوال الشيطانية، كما قد جرى مثل ذلك لغير واحد، ومن لم يجب إلى الدين بالسياط الشرعية فبالسيوف المحمدية. وأمسكت سيف الأمير وقلت – لازال المتكلم ابن تيمية -: هذا نائب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغلامه، وهذا السيف سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن خرج عن كتاب الله وسنة رسوله ضربناه بسيف الله، وأعاد الأمير هذا الكلام، وأخذ بعضهم يقول: فاليهود والنصارى يُقرُّون ولا نقر نحن؟ فقلت: اليهود والنصارى يقرون بالجزية على دينهم المكتوم في دورهم، والمبتدع لا يقر على بدعته، فافحموا لذلك. أهـ

الشاهد هنا وهو استنكار هولاء المبتدعة من إقرار أهل الكتاب من أهل الذمة والمعاهدين على دينهم وعدم إقرار أهل السنة لهم على بدعتهم.

فقال ابوالعباس رحمه الله: اليهود والنصارى يقرون بالجزية على دينهم المكتوم في دورهم، والمبتدع لا يقر على بدعته، فافحموا لذلك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير