ولا يصحُّ مع حُكمنا على المبتدع بأنه مسلم، بل أنه معذور في تأوّله (كما هو الأصل)، أن نَحْرِمَهُ من حقوقٍ جاءت النصوص بإثباتها له، هي حقوق المسلم على المسلم, ثم نُعارضها بفهمٍ سقيمٍ وانتقاءٍ ظالمٍ من أقوال السلف أو أفعالهم!!
2 - أن المبتدع قد يكون أقرب إلينا وأحب، بل قد يستحق من الإجلال والإكرام، ما لا يستحقّه السنّي الفاسق؛ فإن البدعة والفسق كليهما خلافُ المنهجِ النبويِّ وخلاف السنّة، فلا يصح أنْ أُقدّمَ الفاسق (بوصفه أنه سني) مطلقاً على صاحب البدعة بإخراجه عن دائرة أهل السنة (بوصفه أنه بدعي).
فالتقديم والتأخير بين صاحب البدعة والفاسق يجب أن يكون مبنيًّا على مقدار ما عند كل واحدٍ منهما من الخير والشرّ. ومن الخطأ المنتشر بيننا تصوُّرُ أن شرَّ المبتدع مطلقاً أعظم من شر الفاسق (36) ( http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_*******.cfm?id=71&catid=73&artid=8957#71)!!
وإذا كانت البدعةُ تحرِّفُ حقائقَ الدين، فإن المعاصيَ والانغماسَ في الفسوق يؤدّي إلى الجهل بحقائق الدين، ليؤدّي ذلك إلى إعراضٍ عن حقائقه، إعراضٍ قد يصل إلى درجة الكفر، كما قال أحدُ الزهاد وكثيرٌ من العلماء: المعاصي بريدُ الكفر؛ فلا فرقَ كبيرًا (من هذه الجهة) بين المعاصي والبدع!! خاصة في زمننا، عندما أصبح نَشْرُ الفساد العملي أقوى وأظهر من نشر الفساد الاعتقادي، وبصورة أبشع من كل مراحل التاريخ السابقة، وعلى وجه مرتبطٍ بمَحْوِ حضارتنا الإسلامية، من خلال إحلال القِيَمِ الغربيّة محلَّها. أعود فأقول: لم يَعُدْ هناك وجهٌ لتقديم خطورة البدعة مطلقًا على المعاصي المُمَنْهَجَةِ المُهدَّفة في زماننا خاصّة, فلا يصحُّ أن يكونَ موقفُنا من أهل المعاصي (وهم معاندون مُسْتَخِفّون بالحرمات) أخفّ من موقفنا من صاحب البدعة، كما يستلزمه وَصْفُ الفاسق غير المتلبِّس ببدعة عندنا: أنه سُني، والمبتدع بأنه: ليس منا: ليس من أهل السنة (37) ( http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_*******.cfm?id=71&catid=73&artid=8957#73)!
فإلى متى نغلو في إسقاط حقوق أصحابِ البدع المسلمين، ونَنْسَى أن إسلامَهم قد جمعنا بهم على دينٍ واحد (ماداموا مسلمين)، وأن اختلافَهم معنا لم يُخرجْهم عن أن يكونوا مِنّا، في الدنيا والآخرة، وأنهم مثلُنا في عدم حِرْمانهم من رحمة الله وفي أنهم غيرُ مخلّدين في النار، وأنهم بذلك يستحقّون من حقوق الأُلفة والأُخوّة في الدنيا بقدر ما اجتمعنا معهم فيه من أجلِّ وأعظمِ أمورِ الآخرة!!! فكيف إذا كنّا في مواجهة خَصْمٍ ليس منّا ولا منهم، خصمٍ لا يُريدُنا ولا يريدُهم، فيأكل هذا الخصمُ بعضَنا ببعض!!!
يا معشرَ أهل السنة: قولوا الحق، ورُدّوا على الباطل؛ لكن لا تَسْلُبُوا مسلمًا حقَّه الإسلاميَّ العام، ولا تقدّموا من يستهينُ بحرمات الله على من يعظّمها، ولو ضلّ فابتدع، ما دام معذورًا مأجورًا؛ أفنقدّم المأزور على المأجور "أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ" [القلم:35 - 36].
يا معشر أتباع السلف: ليس من منهج السلف تقديمُ ناشرٍ للخنا والزنا والربا؛ لأنه غير متلبِّسٍ ببدعة، على عالم فاضل عابد مجاهد؛ لأنه تلبّس ببدعة؛ لأنّ شرّ الثاني ليس مطلقاً أعظمُ من شرّ الأول، بل ربما لم يكن بينهما تقارب. وإلا فهل يستطيع أحدٌ أن يقدّم بعض من أقام بيوت الخنا والربا من كبار الفُسّاق في زماننا على العز ابن عبد السلام أو تقيِّ الدين السبكي أو الباقلاني أو الأشعري لمذهبهم العقدي؟!!!
إن كنّا لا نُحسن استخدامَ تقسيم الناس إلى سُنّي وبدعي، إلا على ذلك الوجه الظالم الجائر، الذي ليس من منهج السلف، فخيرٌ لنا أن لا نستخدمه. وقد بيّنتُ آنفًا أن استخدامه المصلحي مبنيٌّ على أمرين:
التشديد في التنفير من البدعة نفسها، وأن لا يُتَشَدَّد مع صاحبها إلا بقدر ما يدفع إفسادَه، مع حفظ ما لا يُهدَرُ من حقوقه، وأن لا يقودنا هذا التقسيمُ إلى تقديم صاحب الشرّ الأعظم (كمَرَدَةِ الفُسّاق) على صاحب الشر الأخف (كالعالم الصالح المبتدع)، وكما لم يُلْغِ فسقُ الفاسق حقَّهُ الإسلاميَّ العامّ إلغاءً مطلقاً، فكذلك لا يُلغي الابتداعُ حقَّ المبتدعِ المسلمِ في الحقِّ الإسلاميِّ العامِّ الإلغاءَ المطلقَ.
¥