تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أحدهما: التفات العامة والجهال إلى ذلك التوقير، فيعتقدون في المبتدع أنه أفضل الناس، وأن ما هو عليه خير مما عليه غيره، فيؤدي ذلك إلى اتباعه على بدعته دون اتباع أهل السنة على سنتهم.

والثانية: أنه إذا وقر من أجل بدعته صار ذلك كالحادي المحرض له على انتشار الابتداع في كل شيء.

وعلى كل حال فتحيا البدع وتموت السنن، وهو هدم الإسلام بعينه ... " ا. هـ (9).

5 - إعطاء ضمانة للسنن من شائبة البدع ومداخلتها لصفاء السنن. والله أعلم.

المبحث الثاني

أنواع الهجر: وهى ثلاثة:

الأول: الهجر ديانة، أي:" الهجر لحق الله تعالى " وهو من عمل أهل التقوى، في: هجر السيئة، وهجر فاعلها، مبتدعاً أو عاصياً.

وهذا النوع من الهجر للفجار على قسمين:

1 - هجر ترك: بمعنى هجر السيئات، وهجر قرناء السوء الذين تضره صحبتهم إلا لحاجة أو مصلحة راجحة.

قال الله تعالى: ((والرُّجْزَ فَاهْجُرْ) وقال سبحانه: ((واهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً)). وقال تعالى: ((وإذَا رَأَيْتَ الَذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وإمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ)) (10).

وقال تعالى: ((وقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الكِتَابِ أَنْ إذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا ويُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إنَّكُمْ إذاً مِّثْلُهُمْ))، وفي الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (المهاجر من هجر ما نهى الله عنه).

2 - هجر تعزير: وهذا من العقوبات الشرعية التبصيرية التي يوقعها المسلم على الفجار كالمبتدع، على وجه التأديب،في دائرة الضوابط الشرعية للهجر، حتى يتوب المبتدع ويفيء.

وهذا القسم هو الذي تدور عليه الأبحاث في هذه الرسالة المباركة.

وهذا النوع بقسميه من أصول الاعتقاد، والأمر فيه أمر إيجاب في أصل الشرع، ومباحثه في كتب السنن والتوحيد والاعتقاد وغيرها.

تنبيه: في هجر الكافر:

قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-:

"قال الطبري: قصة كعب بن مالك أصل في هجران أهل المعاصي،وقد استشكل كون هجران الفاسق أو المبتدع مشروعاً ولا يشرع هجران الكافر، وهو أشد جرماً منهما لكونهم من أهل التوحيد في الجملة.

وأجاب ابن بطال: بأن لله أحكاماً فيها مصالح للعباد وهو أعلم بشأنها وعليهم التسليم لأمره فيها، فجنح إلى أنه تعبد لا يعقل معناه.

وأجاب غيره: بأن الهجران على مرتبتين: الهجران بالقلب، والهجران باللسان، فهجران الكافر بالقلب وبترك التودد والتعاون والتناصر لا سيما إذا كان حربياً، وإنما لم يشرع هجرانه بالكلام لعدم ارتداعه بذلك عن كفره، بخلاف العاصي المسلم فإنه ينزجر بذلك غالباً، ويشترك كل من الكافر والعاصي في مشروعية مكالمته بالدعاء إلى الطاعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما المشروع ترك المكالمة بالموادة ونحوها " ا. هـ (11).

والظاهر ما قاله النووي -رحمه الله تعالى- من أن للمسلم هجر الكافر من غير تقييد (12)، لما هو معلوم من الأصل الشرعي العام من تحريم موالاة الكفار،والتحذير من موادتهم وتعظيم ما يؤدي إلى ذلك، ونصب الأسباب الموصلة إلى ظهور المسلم عليهم كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:" لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام،فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه" رواه أحمد ومسلم وغيرهما. والنصوص في تحريم موالاة الكافرين من الكتاب والسنة وآثار السلف كثيرة مشهورة، والله أعلم (13).

-يتبع -


1 - انظر: فتح الباري 6/ 58 2، 263.
2 - السلسلة الصحيحة برقم / 956، وصحيح الجامع الصغير برقم / 8035.
3 - عن "مذهب الإنسانية" انظر: مذاهب فكرية معاصرة لمحمد قطب: 589 - 604، وفي: معجم المناهي اللفظية، حرف الألف، ومقدمة طه العلواني لكتاب: النهي عن الاستعانة والاستنصار في أمور المسلمين بأهل الذمة والكفار، لمصطفى الوارداني.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير