قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في جوابه المحرر في الهجر المشروع:
" .. فإذا لعذر إقامة الواجبات من العلم والجهاد وغير ذلك إلا بمن فيه بدعة مضرتها دون مضرة ترك ذلك الواجب: كان تحصيل مصلحة الواجب مع مفسدة مرجوحة معه خيراً من العكس، ولهذا كان الكلام في هذه المسائل فيه تفصيل" (14).
هذا وإن الناظر في أحوال المبتدعة من وجه ما هم عليه من الشناعات، وإماتة السنن، والنشاط في غير هدى والنصرة لغير حق، وأنهم يفسدون على أهل السنة صفاء الإسلام، رآهم مستحقين لما قاله الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- في أهل الكلام:
"حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في القبائل والعشائر، ويقال: هذا جزاء من أعرض عن الكتاب والسنة وأقبل على الكلام".
"وإذا نظرت إلى المبتدعة بعين القدر، والحيرة مستولية عليهم، والشيطان مستحوذ عليهم رحمتهم، وترفقت بهم، أوتوا ذكاءً وما أوتوا زكاءً، وأعطوا فهوماً وما أعطوا علوماً، وأعطوا سمعاً وأبصاراً وأفئدة ((فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ ولا أَبْصَارُهُمْ ولا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)) " (15).
وختاماً: احذر المبتدع، واحذر بدعته، وأعمل الولاء والبراء معه، وتقرب إلى الله بذلك، وبهجره الهجر الشرعي منزلاً له على قواعد الشريعة وأصولها في رعاية المصالح ودفع المفاسد، وإياك ثم إياك من تأمير الهوى هجراً أو تركاً، والسلام.
المبحث التاسع
عقوبة من والى المبتدعة
كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق فالساكت عن الحق شيطان أخرس كما قال أبو علي الدقاق (م سنة 406 هـ) -رحمه الله تعالى- (16).
وقد شدد الأئمة النكير على من ناقض أصل الاعتقاد فترك هجر المبتدعة، وفي معرض رد شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- على (الاتحادية) قال (17):
"ويجب عقوبة كل من انتسب إليهم، أو ذب عنهم، أو أثنى عليهم، أو عظم كتبهم، أو عرف بمساعدتهم أو معاونتهم، أو كره الكلام فيهم، أو أخذ يعتذر لهم بأن هذا الكلام لا يدري ما هو؟ أو من قال: إنه صنف هذا الكتاب؟
وأمثال هذه المعاذير، التي لا يقولها إلا جاهل أو منافق بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم، ولم يعاون على القيام عليهم، فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات، لأنهم أفسدوا العقول والأديان على خلق من المشايخ والعلماء والملوك والأمراء، وهم يسعون في الأرض فساداً ويصدون عن سبيل الله ... (18) ".
فرحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية وسقاه من سلسبيل الجنة آمين، فإن هذا الكلام في غاية الدقة والأهمية وهو وإن كان في خصوص مظاهرة (الاتحادية) لكنه ينتظم جميع المبتدعة، فكل من ظاهر مبتدعاً فعظمه أو عظم كتبه، ونشرها بين المسلمين، ونفخ به وبها، وأشاع ما فيها من بدع وضلال، ولم يكشفه فيما لديه من زيغ واختلال في الاعتقاد، إن من فعل ذلك فهو مفرط في أمره، واجب قطع شره لئلا يتعدى إلى المسلمين.
وقد ابتلينا بهذا الزمان بأقوام على هذا المنوال يعظمون المبتدعة وينشرون مقالاتهم، ولا يحذرون من سقطاتهم وما هم عليه من الضلال، فاحذر أبا الجهل المبتدع هذا، نعوذ بالله من الشقاء وأهله.
المبحث العاشر
إشاعة البدعة
نصيحتي لكل مسلم سلم من فتنة الشبهات في الاعتقاد، أن البدعة إذا كانت مقموعة خافتة والمبتدع إذا كان منقمعاً مكسور النفس بكبت بدعته فلا يحرك النفوس بتحريك المبتدع وبدعته؛ فإنها إذا حركت نمت وظهرت، وهذا أمر جبلت عليه النفوس، ومنه في الخير: أن النفوس تتحرك إلى الحج إذا ذكر الحجاز، وعرصات الوحي، ومواطن التنزيل ... وفي الشر: إذا ذكرت النساء والتغزل والتشبيب بهن تحركت النفوس إلى الفواحش.
وهذا الكتمان والإعراض من باب المجاهدة والجهاد فكما يكون الحق في الكلام فإنه يكون في السكوت والإعراض، والله أعلم.
ـ[أبو الأشبال الأثري]ــــــــ[22 - 04 - 07, 04:49 ص]ـ
وإن كان المقال بحاجة إلى رد أوضح وتحرير لرأي السلف وطريقتهم، يسر الله من يتولى ذلك نصحا لدين الله ولعباده.
وفي مقال الشريف تهويل في المقارنة وعدم تحرير للمسألة ونفَس العاطفة فيه أقوى من نفس التحقيق.
أرى أن تستعين بالله وتشرع ...
¥