تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أكثر البلاد الإسلامية لا تحكم بشريعة الله، ولكن يحكمها أناس يحملون أسماء إسلامية، ويستعرضون أنفسهم بين الحين والحين في صلاة أو عمرة أو حج، فتتوهم الجماهير أن لهم (شرعية) رغم أنهم لا يحكمون بما أنزل الله .. فهل الحاكم إذا أبطل شريعة الله كاملة، واستعاض عنها بالشرائع الجاهلية .. هل تكون له شرعية؟

وهل يكون له على الرعية حق السمع والطاعة؟

وهل إذا قام نظام دولة على الإقرار بحق التشريع المطلق لغير الله، وحمل الأمة على التحاكم إلى غير ما أنزل الله ..

هل تكون لهذا النظام شرعية؟

بادئ ذي بدء نقول إنه من المتفق عليه بين العلماء إن الإمام ما دام قائماً بواجباته الملقاة على عاتقه، مالكاً القدرة على الاستمرار في تدبير شؤون رعيته عادلاً بينهم، فإن له على الرعية حق السمع والطاعة ..

ولكن هذا الحق في السمع والطاعة يكون في حدود طاعته هو لله ورسوله، فإن عطّل شرع الله، فقد خرج من طاعة الله والرسول، ولم تصبح له طاعة على الناس، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} [النساء: 59]، وظاهر من البناء اللغوي للآية أن الطاعة لله مطلقة، كذلك الطاعة للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولكن ليست كذلك الطاعة لأولي الأمر .. ولو قال تعالى: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأطيعوا أولي الأمر منكم لوجبت طاعتهم مطلقاً كطاعة الله والرسول ـ صلى الله عليه وسلم

ولكن الله جل شأنه لم يقل ذلك، وإنما عطف طاعة أولي الأمر على طاعة الله والرسول بدون تكرار الأمر "أطيعوا"، لتظل طاعتهم مقرونة دائماً بحدود ما أنزل الله، فشرط الطاعة أن يكون ولي الأمر (منكم) أي من الذين آمنوا، ولكي يكون ذلك فلا بد أن يرد الأمر عند التنازع (إلى الله) أي كتاب الله (وإلى الرسول) أي سنة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ.

وقد أكد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا المعنى فقال: "اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب الله" [رواه البخاري] وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ:"إن أمر عليكم عبد مجدع ـ أو قال أسود ـ يقودكم بكتاب الله، فاسمعوا وأطيعوا" [رواه مسلم]. فهذه الأحاديث واضحة الدلالة على أنه يشترط للسمع والطاعة أن يقود الإمام رعيته بكتاب الله، أما إذا لم يُحَكّم فيهم شرع الله فهذا لا سمع له ولا طاعة، وهذا يقتضي عزله، وهذا في صورة الحكم بغير ما أنزل الله المفسقة، أما المكفرة فهي توجب عزله ولو بالمقاتلة، وعليه فمن أجاز اتباع شريعة غير شريعة الإسلام وجب خلعه، وانحلت بيعته، وحرمت طاعته، لأنه في مثل هذا الحال يستحق وصف الكفر، والكفر هو أعظم الأسباب الموجبة لعزل الإمام، وخلعه عن تدبير أمور المسلمين.

وقد انعقد إجماع العلماء على أن الأمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنه إذا طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة، خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته.

وبناء على ذلك فإن ولي الأمر الذي يتصرف في شريعة الله بالإبطال أو التعديل أو الاستبدال .. لا تكون له شرعية، لأنه فقد شرط توليه الذي يعطيه شرعية تولي الأمر وهو تطبيق شريعة الله، أي سياسة الدنيا بالدين.

وإذن فالحكام الذين يسوسون الدنيا بغير الدين، ويقيمون منهاج الحكم على المبدأ العلماني .. فصل الدين عن الدولة ـ هؤلاء الحكام ليس لهم شرعية، ولا تجب على الرعية طاعتهم، بل الواجب على المسلم معاداتهم وبغضهم وعدم مناصرتهم بقول أو فعل.

هذا من ناحية شرعية الحاكم .. أما من ناحية شرعية الوضع، أو ما يمكن أن نطلق عليه شرعية النظام فنقول: يعتقد كثير من الناس أن الأوضاع القائمة في معظم أرجاء العالم الإسلامي هي أوضاع إسلامية، ولكنها ينقصها تكملة هي تحكيم شريعة الله .. وفي الحقيقة إن هذا الفهم غير صحيح، فتحكيم الشريعة ليس تكملة لأصل إسلامي موجود بالفعل ولكنه تأسيس لذلك الأصل بمعنى أن الأوضاع لا تكون إسلامية إلا إذا حكمت شريعة الله، قال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت، ويسلموا تسليما} .. فأول صفات الدولة الإسلامية التي يجب طاعتها وتحرم معاداتها هي أن يكون الحكم الحقيقي فيها من حيث التشريع والتكوين لله وحده .. وأن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير