(ونهج الدعايان منهجاً واحداً في نشر نفوذهما في بلاد اليمن، وقد اتخذا الدين وسيلة لنشر هذا النفوذ، فأظهر كل منهما الزهد والتقشف والصلاح عملاً بوصية الإمام الحسين إليها، كما تظاهر كل منهم بالتفقه في الدين والتضلع في المذاهب السنيَّة .. فمال إليهما كثير من أهل اليمن، وأقبلوا عليهما من كل فج وخاصة بعد أن أظهرا دعوتهما علناً سنة 270هـ بعد أن قاما بها سراً لمدة سنتين. فأصبح لك منهما جماعة كبيرة تخلص له الإخلاص كُله، وبعد أن قوي حزب كل منهما في جهته عمل على الحصول على الأموال لتنفيذ مخططه) (6)!!
فبثوا دعاتهم في أرض اليمن وما حولها أو قريب منها: كعدن لاعة، وحراز، ونجران، وبلاد يافع الجبلية، واستطاعوا أن يؤثروا على الناس في تلك البلاد لطيبة أهلها وسلامة قلوبهم وصدق نواياهم وكرمهم، وذلك بما كانوا يظهرونه ويدعونه من خير وصلاح ظاهري، فكانت تلك هي البذرة الأولى لدخول كثير من أهل تلك البلاد في مذهبهم الباطني وهم لا يعرفون حقيقته ولا حقيقة هؤلاء الدعاة، ثم تطور الأمر وصارت للباطنية دولة في اليمن!
يقول مصطفى غالب: (لم توجه أي دولة من الدول، أو فرق من الفرق، اهتماماً خاصاً بالدعاية وتنظيمها كما اهتمت بنها الإسماعيلية، فجعلت منها الوسيلة الرئيسية لتحقيق نجاح الحركة في دور الستر والتخفي .. وقد كان للحمام الزاجل الذي برع في استخدامه دعاة الإسماعيلية أثره الفعال في تنظيم نقل الأخبار والمراسلات السرية الهامة) (7).
وقد أكدَّ الإسماعيلي المعاصر (عارف تامر) أن تلك الدعوة الإسماعيلية هي التي صدعت المجتمع الإسلامي وهزت دعائمه إلى الأعماق، وأصابته في روحه وخلاله، وأدت إلى تفككه واضمحلاله، وانتشاره إلى دويلات ومجتمعات ضعيفة متنابذة، استطاع الغرب أن يخضعها تباعاً إلى نفوذه واستعماره، وأن الحركة الباطنية هي التي عجلت بالقضاء على المجتمع الإسلامي (8).
تلك صور تاريخية أو بقايا صور وذكريات بقيت محفوظة من عوامل الزمن في الملفات والمراسلات والكتب السريَّة، وكأنها تريد أن تصرخ بنا وتوقظنا من غفلتنا.
وفي هذه الأيام –وكأن التاريخ يريد أن يُعيد نفسه- يصرح الرئيس المصري حسني مبارك بأن أغلب الشيعة (ولاءهم لإيران وليس لدولهم) (9)، وسبقه الملك عبدالله الثاني ملك الأردن الذي حذر من (الهلال الشيعي). ثم تصريحات الشيخ الفاضل يوسف القرضاوي –وفقه الله- الذي حذر من تسلط التشيع وتهديده مصر، وكذلك مقاله الدكتور محمد سليم العوا، أمين عام الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، اتهم المتشيعين بأنهم يتخذون (الدعوة للتشيع وسيلة للزعامة والكسب المادي) (10). وأخيراً ما كتبه المفكر الإسلامي محمد عمارة –حفظه الله- عن التشيع وتزييفه للتاريخ (11).
وفي المقابل أقدمت بعض الجرائد المتجاوبة مع الدعم الشيعي المالي الكبير، حيث نشرت شتماً لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها باعتبارها أسوء شخصية في الإسلام، كما شتمت وطعنت في الصحابة، وقامت أخرى بالهجوم والشتم في حق صلاح الدين الأيوبي، وغيرهما كثير، ومع كل أسف جاء مد اللعان والسباب في مصر مع مد التشيع!
ومن كان يتوقع أنه في مصر والتي هي حصن الإسلام سيقوم من يُصفون بالمتشيعين بشتم أم المؤمنين عائشة ووصفها بأنها من أسوء الشخصيات في الإسلام؟! ويشتم معها خير أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؟! وفي الجرائد المصرية يكتب وينشط موظفو السفارة الإيرانية لنشر التشيع؟!
فأين علماء الأزهر الكرام؟ أين علماء مصر؟
ولا بد لعلماء مصر وللمصريين جميعاً أن يعلموا أن هذا المد وهذه البذرة ليست إلا بذرة إيرانية فارسية فمن طلائع المبشرين الأوائل بها محمد تقي القمي الإيراني الذي اندس في صفوف المصريين باسم التقارب والوحدة الإسلامية. ثم في العام 1973 أسس السيد طالب الحسيني الرفاعي، وهو من العراق، (جمعية آل البيت) التي تعتبر واجهة التشييع في مصر.
وهذا أحد الذين يزعمون التشيع أو كما يسمونه (الاستبصار) وهو (أحمد النفيس)، يؤكد تلك الحقيقة، وهي أن البذرة الأولى للباطنية الحديثة كانت على يد فارسية!
يقول المصري المتشيع (أحمد راسم النفيس): (وفي العصر الراهن أنا أعتبر أن من أسس للتشيع في مصر هو آية الله الخميني -رحمه الله-، ذلك الرجل الذي أيقظ ونبّه الغافلين. وهناك مناضلون صغار لا داعي لذكر أسمائهم) (12)!!
¥