يا خالق النطفة الأولى وبارئها ** بلا مثال تعالى الخالق البارئ
مصور كل شيء وفق حكمته ** فالماء والطين غير النور والنار
· وقال ثالث:
لا شيء مثلك في وصف ولا ذات ** يا خالق الأرض بدعا والسماوات
وليس قبلك شيء كي نسميه ** وليس بعدك شيء في النهايات
والكون مبتدع إذ أنت موجده ** بلا مثال شبيه في البدايات
بقدرة مالها حد تنظمه ** على الحقيقة في ماض ولا آت
· وقفة تأمل في خلق الله عزوجل:
وقفة تأمل في النطفة:
· النطفة التي تخرج من الإنسان ويخرج منها الملايين من هذه الحيوانات التي يكون الواحد منها ملقحا للبويضة , والعجيب أن هذا الحيوان أو هذه الخلية التي تخرج من هذا الرجل تحمل نصف الخصائص الوراثية , وما يكون عند المرأة في البويضة يحمل النصف الآخر! , ثم بعد ذلك يحصل الازدواج ويحصل التكامل ويحصل هذا الإنسان الذي كونه الله هذا التكوين في أحسن تقويم , من جهة المعنى فجعله الله على الفطرة السوية الصحيحة , ومن جهة المبنى فجعله الله بهذا الخلق العجيب المتناسق , ووضع فيه كل شيء في محله.
فهذه الخلية حينما تخرج من الإنسان لتلقح هذه البويضة تمشي مسافة طويلة بالنسبة لحجمها الصغير , فهي تقطع مثل طولها مائة ألف مرة , وذلك كما لو أن الإنسان الذي لا يتجاوز طوله في كثير من الأحيان عن متر ونصف المتر , كما لو قطع خمسين ومائة كيلو من المترات , ومن غير أن يتوقف لحظه , ومن غير أن يستريح.
وهذه الخلية تبدأ بالانقسام ولا يحصل هناك خلط ولا خلل البتة , فهي تسير سيرا دقيقا وتنقسم انقساما عجيبا لا تفاوت فيه ولا اختلال بوجه من الوجوه , فكل خلية منشعبة تذهب إلى مكانها الصحيح الذي قدر الله عزوجل أن تكون فيه , فهذه تكون كبدا , وهذه تكون كُلى , وأخرى تكون قلبا , وأخرى تكون عينا , فلماذا لا تجتمع هذه الخلايا فتكون أكبادا كثيرة؟ , ولا نشاهد للإنسان إلا قلبا واحدا , (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ).
إذا تأمل العبد هذه القطرة الصغيرة المهينة التي هي مستقذرة التي هي أصل خلق الإنسان والتي لو مر عليها ساعة من الزمان لأنتنت وتغيرت , كيف استخرجها الله عزوجل من صلب الرجل؟ ومن تراب المرأة! , خلق الله هذا الإنسان من أخلاط من أمشاج وجعله في أطوار, كيف استله في هذا الموضع من الرجل والمرأة ثم جمع بين هذين المائين من طرق ضيقة وخفية , ثم تجري وتستقر في الرحم , من غير الحاجة إلى عملية جراحية , فالله عزوجل ينظم في بطن الأم مئات بل آلاف العمليات الجراحية في كل لحظة في كل ساعة من غير حاجة إلى إدخالها في مستشفى ومن غير حاجة إلى شق البطن أو إضاءة في ظلمات ثلاث , يخلق الله عزوجل الإنسان خلقا من بعد خلق في هذه الظلمات من غير حاجة إلى شق أو إضاءة أو أشعة أو إلى غير ذلك , من الذي يقلبنا في الأرحام كيف يشاء؟ , هو الله الخالق البارئ الذي عرفناه بهذه الأسماء الكريمة من أجل أن نتعبده بها , ومن أجل أن يقوم في القلوب مقتضى هذه الأسماء من الإقرار بوحدانيته سبحانه , لأن الإقرار بربوبيته وأنه هو الخالق وأنه هو البارئ , إن ذلك يستلزم أن يكون هو المعبود وحده لا شريك له.
ثم انظر كيف قدر الله عزوجل اجتماع هذين المائين مع بعد كل منهما عن صاحبه , فكيف ساقهما من أعماق العروق والأعضاء فجمعها في موضع واحد!؟ , فالله يقلب هذه النطفة البيضاء المشرقة يقلبها كيف يشاء , فتصير بعد ذلك علقة حمراء تضرب إلى السواد , ثم بعد ذلك يجعلها في أطوار أخرى وقسمها فيكون لها سمع وبصر وقلب وعقل وأسنان ويد ورجل وما إلى ذلك ولو اجتمع الإنس والجن على أن يخلقوا لها شيء من ذلك ما استطاعوا , بل لو اجتمعوا على أن يخلقوا لها شعرة واحدة لعجزوا عن ذلك , فمن هذا صنعه في قطرة ماء فكيف صنعه في ملكوت السماوات وعلوها وسعتها واستدارتها وعظم خلقها وحسن بناءها؟ ..
¥