الإنسان يحتاج أن يسمع بإذنه فهي بحاجة إلى أن تكون ظاهرة , والعين الإنسان بحاجة أن يبصر الأشياء بها فلا بد أن تكون ظاهرة , والأنف يحتاج الإنسان أن يتنفس منه فلا بد أن يكون ظاهرا إلى الخارج , وأما اللسان فله شأن آخر فهو مؤد عن القلب ومعبر عنه وليس مستقبلا للقلب , وإنما هو ترجمان له , فجعله الله مستورا لعدم الحاجة لإبرازه , وأيضا جعله الله عزوجل من ألطف الأعضاء ومن ألينها , وجعلها من أشدها رطوبة , وهو لا يتصرف إلا بواسطة هذه الرطوبة المحيطة به , فلو كان بارزا للخارج لكان عرض للحرارة واليبوسة وصار ناشفا , فمنعه ذلك من التصرف وسهولة الحركة , والإنسان إذا أصابه العطس لربما وجد أثر ذلك في لسانه , فهو أحيانا يعجز عن التعبير لشدة الجفاف الذي أصابه , وفيه سبعة عشر عضلة تحركه إلى كافة الإتجاهات , وفيه ثلاثة أعصاب لتنظيم نقل الحس.
وعلى سطح هذا اللسان يوجد تسعة آلاف نتوء ذوقي , وإذا حرك الإنسان لسانه بطريقة معينة صدر منه صوت معين , وإذا حركات باتجاه آخر صدر منه صوت آخر , والإنسان لا يجد كلفة بالكلام فيتكلم بكل يسر وسهولة وطلاقة , من الذي يسر له ذلك؟ , وإذا بدأ الإنسان يأكل الطعام بدأت هذه الغدد بالإفراز وهي محيطة بهذا اللسان عن يمينه وعن شماله ومن أمامه أعني تحته.
فأقول تأمل هذا العجب في صنع الله عزوجل , وكيف أن هذا اللسان نستخدمه في كثير من الأحيان في القيل والقال , نستخدم هذا اللسان فيما لا يرضي الله , بالغيبة والنميمة والسب والشتم والوقوع في أعراض المسلمين وما إلى ذلك.
ثم إن الله عزوجل زين هذا الفم أيضا بالأسنان , فرصها فيه رصا عجيبا , فصارت بطريقة بديعة جميلة , تُحسن الإنسان بحيث لو سقط شيء منها لبدا القبح ظاهرا فيحتاج الإنسان إلى معالجة هذا الأثر فيركب أسنانا أو ضرسا أو يرقع ضرسا مكسورا أو نحو ذلك ليتدارك النقص الذي ظهر فيه , فالإنسان لا يعرف قدر النعمة إلا إذا فقدها.
ثم أيضا جعله الله عزوجل قوام الإنسان لأنه يأكل عن طريقه , وتصور حال الناس الذين لا يتمكنون من ذلك – نسأل الله لنا ولكم العافية – ممن يصابون بأمراض بالبلعوم أو في المريء أو نحو ذلك , أين يرسل إليهم الطعام؟ من أين يصلهم هذا الطعام؟ , يصلهم إما عن طريق فتحة في أعلى الصدر , أو عن طريق الأنف بليات وعذاب وشقاء ومما يشبه ذلك.
ثم انظر كيف زينه الله من الخارج بالشفتين , فصار زينة له وحلية , وصار ذلك أيضا سببا في فصاحته , لأن الشفتين تشتركان في عملية التصويت وعملية إبراز الكلام وفصاحته , ثم هي أيضا جعلها الله لحما لا عظم فيه من أجل أن يتمكن الإنسان من الحركة بها في كل يسر وسهولة.
فهو يكشر عن أسنانه ويبتسم ويبدي مشاعره بهذه الشفاه بطريقة عجيبة , ثم أيضا هو يحتاج إلى هذه الشفاه أن تكون بهذه الحالة العجيبة من غير عظام ليتمكن من مص الشراب , ولو كان في الشفتين شيء من العظام لما تمكن من ذلك بيسر وسهولة , ثم جعلها الله عزوجل طبقا وغطاءا , فلولا وجود الشفتين لصار الفم مكشوفا ولصار عرضة للغبار , ولصار شكله في حال من القبح , ولذلك أخبرنا الله عزوجل عن أهل النار أن وجوههم باسرة , ومعنى باسرة في قول طائفة من السلف أنه إذا احترق الوجه فإنها تبدو الأسنان , تتقلص الشفتان فإذا انقلصت ظهرت الأسنان.
وقفة تأمل في اليد:
· إذا تأمل الإنسان في حاله وفي صنع الله عزوجل العجيب في بدنه رأى من ذلك عجائب وغرائب , ومن ذلك اليد التي يبطش بها الإنسان فجعلت عريضة وجعل لها خمسة أصابع , وهذه الأصابع قد جعل لكل واحد منها ثلاثة أعظم سوى الإبهام فله عظمين , ثم انظر كيف جعله الله عزوجل في طرفها , بحيث أن الإنسان يستطيع أن يقبض ويبسط ويستطيع هذا الإبهام أن يلتف عليها جميعا.
الذين يحاولون صنع ما يسمى بالرجل الآلي يقولون أنهم لو استطاعوا أن يصلوا إلى أن هذه اليد لهذا الإنسان الآلي تستطيع أن تربط الخيوط التي تكون في الحذاء يكونون بذلك أنجزوا انجازا كبيرا عظيما!.
¥