ثم انظر كيف شد الله أطراف هذه الأصابع بالأظفار , زينة لها وكي يستطيع الإنسان أن يأخذ بها الأشياء الدقيقة التي لا يستطيع أخذها بمجرد أطراف الأصابع , وجعلها الله سبحانه حماية لأطراف اليد , وأيضا لغير الإنسان سلاحا يقاتل بها أعني المخالب , وأيضا يحتاجها الإنسان ليحك بها , ثم انظر كيف تمتد هذه اليد في كل يسر وسهولة إلى ما احتاج إليه من بدنه فيحك الإنسان جلده ويصلح شؤونه ويفعل ما يريد , حيث طولها الله عزوجل , تأمل لو كانت هذه اليد قصير بقدر شبر كيف يكون حال الإنسان وما مدى انتفاعه بها؟
ثم انظر إلى أطراف هذه الأصابع كيف جعل الله بها هذه الخطوط الدقيقة التي يقال لها البصمات , ولا يمكن أن يتشابه اثنان في العالم في هذه الخيوط ا, وبذلك استطاع الناس أن يعرفوا بذلك المجرمين , واستطاعوا أن يميزوا الأشخاص بعضهم عن بعض.
وقفة تأمل في العظام:
· وتأمل أيضا فيما جعل الله عزوجل في خلقك من هذه العظام فلو خلا منها الإنسان لصار كتلة من اللحم لا يستطيع أن ينهض ولا يستطيع أن يقوم ولا يستطيع أن يتحرك الحركة المطلوب , ولا يتنقل في شؤونه , ولا يأخذ ويعطي ويقاتل ويدفع ولا غير ذلك , إنما هو قطعة من اللحم تتلبط في مكانها.
فجعل الله عزوجل هذه العظام قواما لهذا البدن , وخلقها الله عزوجل وقدرها تقديرا عجيبا , وفاوت بينها بالخلق , فمنها الصغار ومنها الكبار ومنها الدقاق ومنها الغلاظ ومنها الطويل والقصير والمنحني والمستدير والمجوف والمصمت ومنها ما يكون خشنا ومنها ما يكون أملسا , فالذي يكون في أطرافها وعند نهاياتها يكون أملسا في غاية الملاسة من أجل أن لا يحتك بغيره ومن أجل أن تسهل الحركة , ولو كان خشنا لحصل بذلك احتكاك وفساد لهذه العظام وآلام لا يحصيها إلا الله عزوجل , ثم جعل الله بين هذه المفاصل جعل بينها سائلا , كالزيوت والشحوم التي توضع في مواضع الاحتكاك في الآلات لتسهل الحركة , ثم انظر كيف جعل الله عزوجل هذه العظام على هيئات مختلفة , فحينما تكون الحاجة للاستدارة والحركة في النواحي مختلفة يركبها الله تركيبا يتناسب مع ذلك , انظر إلى رقبة الإنسان تتحرك إلى الأمام وإلى الخلف واليمين والشمال , ويستطيع الإنسان أن يتلفت بكل يسر وسهولة , وانظر إلى نهاية الفخذ مع الورك , كيف أن العظم جعله الله مستديرا , بحيث إن الإنسان يمكن أن يتحرك حركة مرنة بهذا التكوين والتصريف العجيب.
وأما المفصل الذي يكون في الركبة , فإن الله دبره تدبيرا يتناسب مع الحاجة , حيث أنه بحاجة إلى تحريكه إلى الأمام والخلف , ولو كان يتحرك إلى اليمين والشمال لكان هذا سببا في تعثر الإنسان , ثم انظر أيضا كيف جعل الله عزوجل هذه العظام التي في الفم جعلها بهذه الهيئات التي وصفنا في بعض المرات الماضية لتكون آلة للطحن أو القطع أو غير ذلك من الأغراض التي جعلها الله عزوجل لها.
ثم انظر أيضا كيف أن الله فصلك هذا التفصيل , ولو جعلك عظما واحدا لكان ذلك سببا لمشكلات , فأنت لا تستطيع أن تقوم وتنهض وتجلس وتركع وتسجد , ثم لما كان ظهر الإنسان بحاجة إلى حركة في غاية المرونة لم يجعله من عظم واحد أو عظمين , وإنما جعله من هذه الفقار الكثيرة ليتمكن من التحرك بكل يسر وسهولة , ثم أن الله عزوجل شد أطراف هذه العظام بأوتار شدها بعضلات وشدها بعصب وجعلها بمنزلة الأربطة التي تشد طرفا إلى طرف , ثم جعل الله عزوجل في أطراف كل واحد من هذه العظام جعل فيها زوائد وجعل في الطرف الآخر ثغورا ومداخل لأطراف هذا العظم فيدخل هذا في هذا ثم بعد ذلك يتكون منه هذا التركيب البديع, من الذي صنعه ومن الذي أبدعه ومن الذي جعله في هذه الهيئة وفي هذا الموضع وجعله في هيئة أخرى في موضع آخر , فإذا أراد الإنسان أن يتحرك صار ذلك عليه يسيرا سهلا.
ثم انظر كيف جعل الله عزوجل العظام التي بأسفل البدن جعلها قوية ومتينة , لأن البدن يقوم عليها ويعتمد , وأما العظام التي لا يقوم عليها الإنسان في قيامه وقعوده بجعله الله عزوجل دقيقة لا تحتاج إلى هذه الضخامة وهذه القوة.
وقفة تأمل في الأذن:
¥