· ثم انظر إلى هذه الأذن كيف جعلها الله عزوجل ظاهرة لتستقبل الأصوات , فإن الحكمة من خلقها هي أن يستقبل بها الإنسان المسموعات , ثم انظر كيف جعل الله بها هذه الدوائر والغضاريف وذلك لحكم عظيمة , جعل الله عزوجل هذه الإذن كالصدفة لتجمع الصوت ثم تؤديه بعد ذلك إلى داخلها , وجعل هذه التجاويف والتعوجات جعلها لتمسك الهواء والصوت إلى الداخل ثم تنكسر حدته قبل أن يضرب في داخل الإذن فتتأذى منه , ومن حكمة ذلك أيضا أن الله عزوجل يطول بذلك على كل ما أراد أن يدخل بهذه الأذن من النمل والحشرات فهو يحتاج إلى عمل ووقت ومعالجة من أجل الوصول إلى ثقبها ثم يتنبه الإنسان بعد ذلك ثم يخرجه , فلو كانت الأذن مجرد ثقب لكان سهلا أن تدخل عليها الذر وما إلى ذلك فيتأذى بها الإنسان , ثم أيضا جعل الله عزوجل سائلا في هذه الأذن مر الطعم من أجل أنه لا يتمكن شيئا من هذه الحشرات إلى الوصول داخل هذه الأذن , فإذا بلغ هذا الموطن بدأ يبحث على حيلة ليخرج وينجو بنفسه لأن لا يموت , فلا يستطيع أن يتجاوز هذا الموضع داخلا إلى بطن الأذن فهذا من حكمة الرب جل جلاله.
وقفة تأمل في الرأس:
· وأما الرأس فقد جعله الله عزوجل عاليا , وجعل فيه هذه العظام القوية التي تحيط بما حواه من كل جانب , حتى أن بعض العلماء المتقدمين يقولون إن هذه العظام التي ركب الله عزوجل بعضها في بعض بالرأس يقولون أنها تبلغ خمسة وخمسين عظما مختلفة الأشكال والمقادير والمنافع فجعلها الله عزوجل بهذا التداخل والتشابك حتى صارت كأنها لُحمة واحدة , فإذا أصيب واحد منها سلم الآخر , ثم جعلها الله عزوجل محكمة مشدودة لا يدخل إليها الهواء , وذلك لحماية الدماغ وحماية الحواس التي جعلها الله عزوجل في هذا الرأس , فهذا الرأس هو أكرم شيء في الإنسان فيه الوجه وفيه الحواس السمع والبصر والذوق والشم , وفيه فوق ذلك أيضا فيه الدماغ الذي فيه اتصال بالقلب , وهذا القلب هو موضع العقل , فجعله الله عزوجل مرتبطا بهذا الدماغ وأحاطه بهذه الحماية العجيبة كل ذلك صنع هذا الخالق البديع في صنعه وفي فعله وفي خلقه تبارك وتعالى , وجعله الله عزوجل في الأعلى لأن فيه أغلى الأشياء , ولأن فيه البصر والسمع والإنسان يحتاج في بصره إلى أن يكون في مكان مرتفع , تصور لو كان بصر الإنسان في رجله أو في ركبته! , كيف يكون عرضة لكل لطمة ولكل آفة! , كيف تكون الحماية لهذا البصر لو كان في رجل الإنسان؟ ثم كيف يستطيع أن يبصر الأشياء وبصره في رجله أو بطنه وإنما جعله الله عزوجل في هذا المكان المرتفع كالبرج يبصر به الأشياء من بعيد , وكذلك السمع فهو بحاجة إلى أن يسمع الأصوات من بعيد , فجعله الله عزوجل في هذا الموضع المرتفع في الإنسان , فصار البصر في مقدم الرأس كالطليعة له وكالحارس الكاشف للبدن.
وقفة تأمل في الشعر:
· وقد زين الله هذا الرأس بهذا الشعر الذي صار حسنه به وجعله لباسا له , كل ذلك لحكمة عظيمة , ويعرف الإنسان قدر هذه النعمة إذا فقد شيئا من ذلك , وأنتم ترون الناس يبحثون عن العيادات التي تزرع لهم شعرا اصطناعيا أو تقول أنها تستطيع أن تصنع لهم بصيلات ينبت بها شعر طبيعي لهؤلاء الناس , ما شأن الإنسان حينما يسقط شعره أو يصاب بالصلع؟ , لاسيما إذا كانت امرأة , كثيرا من الناس لربما رفضوا بعض العلاج الضروري كالذين يصابون بالسرطان – أجارنا الله وإياكم من ذلك – بعضهم يرفض هذا العلاج ومن أسباب رفضه أنه يشوه صورته كما يقولون , حيث أن شعره يتساقط , مع أن هذا الشعر لا يتساقط إلى الأبد ولكن يرجع إليه ثانية.
وقفة تأمل في العين:
· ثم انظر بعد ذلك إلى هذه العين التي جعلها الله عزوجل في هذا الرأس , وابن القيم يقول إن الله عزوجل ركب كل عين من سبع طبقات , لكل طبقة وصف مخصوص ومقدار مخصوص ومنفعة مخصوصة , لو فقدت طبقة من تلك الطبقات السبع أو زالت عن هيئتها وموضعها لتعطلت العين عن الإبصار بالكلية , ثم إن الله عزوجل جعل في وسط هذه الطبقات السبع جعل خلقا دقيقا عجيبا , وهو ما يسمى بإنسان العين وهو صغير جدا بقدر العدسة يبصر به الإنسان , وجعله من العين بمنزلة القلب من الأعضاء فهو ملكها , وتلك الطبقات التي جعلها الله عزوجل بمنزلة الحراس لهذه العين أعني بذلك الأجفان , التي تكون بمنزلة الآلة الماسحة –مثل مساحة
¥