تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الله كما قال المشركون قال للمسلمين محتجين عليهم تقولون ما ذبحتم بأيديكم فهو حلال , وما ذبحه الله بيده بسكين من ذهب فهو حرام , فأنتم إذا أحسن من الله , فالله عزوجل رد على هذه الفرية والشبهة من المشركين فقال: (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) , فصرح بأنهم مشركون بطاعتهم , وهذا الإشراك في الطاعة واتباع التشريع المخالف لما شرعه الله تعالى هو المراد بعبادة الشيطان في قوله تعالى: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) , وقوله تعالى عن نبيه إبراهيم عليه السلام: (يَا أَبَتِ لا تَعْبُدْ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً) , وقوله تعالى: (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَرِيداً) , أي ما يعبدون إلا شيطانا وذلك بإتباع تشريعه , ولذا سمى الله تعالى الذين يطاعون فيما زينوا من المعاصي شركاء في قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ .. ) الآية , ومن أصلح الأدلة في هذا أن الله جل وعلى في سورة النساء أن من يريدون أن يتحاكموا إلى غير ما شرعه الله , يتعجب من زعمهم أنهم مؤمنون , وما ذلك إلا أن دعواهم الإيمان مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت بالغة من الكذب ما يحصل منه العجب , وذلك في قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) , وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعلى على لسنة رسله صلى الله عليهم وسلم , أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته وأعماه عن نور الوحي مثلهم. ا. هـ

· يقول ابن القيم رحمه الله في ضمن ما ذكره من الفوائد المستنبطة من هذه الآية: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) يقول: ومنها أنه جعل هذا الرد من موجبات الإيمان ولوازمه , فإذا انتفى هذا الرد انتفى هذا الإيمان , ضرورة انتفاء الملزوم لانتفاء لازمه , ولا سيما التلازم بين هذين الأمرين , فإنه من الطرفين , وكلا منهما ينتفي بانتفاء الآخر , ثم أخبرهم أن هذا الرد خير لهم , وأن عاقبته أحسن عاقبة , ثم أخبر سبحانه أنه من تحاكم أو حاكم إلى غير ما جاء به الرسول فقد حكّم الطاغوت وتحاكم إليه , والطاغوت: كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبعوع أو مطاع فهو طاغوت , يقول ابن القيم رحمه الله: فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله صلى الله عليه وسلم , أو يعبدونه من دون الله , أو يتبعون على غير بصيرة من الله , أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله , فهذه طواغيت العالم , إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم عدلوا من عبادة الله إلى عبادة الطاغوت , وعن التحاكم إلى الله والرسول إلى التحاكم إلى الطاغوت , وعن طاعته ومتابعة رسوله إلى طاعة الطاغوت ومتابعته , وهؤلاء لم يسلكوا طريق الناجين الفائزين من هذه الأمة وهم الصحابة من تبعهم , ولا قصدوا قصدهم بل خالفوهم في الطريق والقصد معا , ثم أخبر تعالى عن هؤلاء بأنهم لو قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول أعرضوا عن ذلك ولم يستجيبوا للداعي ورضوا بحكم غيره , ثم توعدهم بأنهم إذا أصابتهم مصيبة في عقولهم وأديانهم وبصائرهم وأبدانهم وأموالهم بسبب إعراضهم عما جاء به الرسول وتحيكم غيره والتحاكم غيره كما قال تعالى: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير