· هذا الذي صدر عنه هذا الشرع أيضا , حكيم يضع الأمور في مواضعها ويوقعها في مواقعها , فيطمئن العبد كل الاطمئنان إلى هذا التشريع الذي صدر من هذا المالك المعبود جل جلاله , حيث أن شرعه تبارك وتعالى كله حكمه , وإنما وضعه لمصالح عظيمة , تقوم بها حياتهم وتقول بها آخرتهم.
يقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله في الكلام على هذا المعنى: فإنه تعالى شرّع الشرائع وأنزل الكتب , فهل هناك كرم أعظم من هذا؟ , فإن معرفته تعالى وعبادته وحده لا شريك له , وإخلاص العمل له , وحمده وشكره والثناء عليه , أفضل العطايا منه لعباده على الإطلاق , وأجل الفضائل لمن يمن الله عليه بها , وأكمل سعادة وسرور للقلب وللأرواح , كما أنها هي السبب الوحيد للوصول إلى السعادة الأبدية , والنعيم الدائم , فلو لم يكن في شرعه وأمره إلا هذه الحكمة العظيمة التي هي أصل الخيرات وأكمل اللذات ولأجلها خلقت الخليقة وحق الجزاء , وخلقت الجنة والنار , لكانت كافية شافية.
يقول: هذا وقد اشتمل شرعه ودينه على كل خير , فأخباره تملأ القلوب علما ويقينا وإيمانا وعقائد صحيحة , وتستقيم بها القلوب ويزول انحرافها , وتثمر كل خلق جميل وعمل صالح وهدى ورشد , وأوامره ونواهيه محتوية على غاية الحكمة والصلاح والإصلاح للدين والدنيا , فإنه لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة , ولا ينهى إلا عن ما مضرته خالصة أو راجحة , ومن حكمة الشرع الإسلامي أنه كما أنه الغاية لصلاح القلوب والأخلاق والأعمال وللاستقامة على الصراط المستقيم , فهو الغاية لصلاح الدنيا , فلا تصلح أمور الدنيا صلاحا حقيقيا إلا بالدين الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم , وهذا مشاهد ومحسوس لكل عاقل , فإن أمة محمد لمّا كانوا قائمين بهذا الدين أصوله وفروعه وجميع ما يهدي ويرشد إليه , كانت أحوالهم في غاية الاستقامة والصلاح , ولمّا انحرفوا عنه وتركوا كثيرا من هداه ولم يسترشدوا بتعاليمه العالية انحرفت دنياهم كما انحرف دينهم , وكذلك انظر إلى الأمم الأخرى التي بلغت في القوة والحضارة والمدنية مبلغا هائلا , لكن لما كانت خالية من روح الدين ورحمته وعدله كان ضررها أعظم من نفعها , وشرها أكبر من خيرها , وعجز علماؤها وحكماؤها وساستها عن تلافي الشرور الناشئة عنها , ولن يقدروا على ذلك ما داموا على حالهم , ولهذا كان من حكمته تعالى أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الدين والقرآن أكبر البراهين على صدقه.
· أقول للمهزومين من أبناء المسلمين الذين لا يرونه حقا إلا ما أحقه أصحاب العيون الزرقاء , أقول لهم اسمعوا كلام حكماء الغرب , ونحن لسنا بحاجة إلى كلامهم والحمد لله , وليس يصح بالأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل , فنحن لسنا في شك ولله الحمد من شريعة الله عزوجل ومن عدالة حكمه , لكن أقول للمفتونين من أبناء المسلمين الذين يغترون بهؤلاء ويرون أن الصواب عندهم دائما أقول اسمعوا ما يقوله حكماؤهم!:
- يقول ادوار لمبير , وكان ناظرا لمدرسة الحقوق الخديوية بالقاهرة سنة 1906 في تاريخ النصارى , يقول: إن في الشرعية الإسلامية كنزا لا يفنى ومنبعا لا ينضب , وأنه خير ما يلجأ إليه المصريون في الوقت الحاضر في البحوث العلمية حتى يعيدوا لمصر ولبلاد العرب هذا المجد العلمي.
- ويقول آخر واسمه استيلانا في بعض مؤلفاته: إن في الفقه الإسلامي ما يكفي المسلمين في تشريعهم المدني إن لم نقل فيه ما يكفي الإنسانية كلها!.
- ويقول ثالث اسمه هولكوم وهو استاذ للفلسفة بجامعة هالفارد: الشريعة الإسلامية تحتوي على جميع المبادئ اللازمة للنهوض.
- ويقول آخر يقال له جبتون وهو من علماء التاريخ المعاصرين: وجاءت الشريعة الإسلامية عامة في أحكامها , يخضع لها أعظم ملك وأقل صعلوك , فهي شريعة حيكت بأحكم منوال شرعي , وليس لها مثيل في العالم.
¥