- الله عزوجل خلق هذا الكون , خلق الموت وخلق الحياة , واقتضت حكمته وإرادته جلت قدرته , أن يخلق بعض المخلوقات منقادة مستسلمة لربها وخالقها , قال الله عزوجل للسماوات والأرض: (اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) , والله عزوجل عندما خلق الملائكة خلقهم خلقا منقادا (لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) على ضخامة خلقهم وعظمهم ومع ذلك هم منقادون كل الانقياد , وهكذا الأشجار والأحجار , فكل ما في هذا الكون يسبح بحمد الله عزوجل ويقدس له , واقتضت حكمته أن يخلق صنفين من الخلق هما محل الابتلاء والاختبار الجن والإنس , فخلقهم وجعلهم يتناسلون بهذه الطريقة العجيبة الغريبة , لا ينقضي جيل بكامله فجأة ثم يحل محله جيل جديد يخرج إلى الساحة من الجديد , لا وإنما يكون تواجدهم وذهاب آخرين بطريقة لا تشعر أحدا بنقص في الحياة , فيولد أقوام ويموت آخرون بقدر الله عزوجل الذي قدره لهم , فإذا نظرت إلى الحياة رأيتها متسقة , تسير على وتيرة واجدة , لا تشعر فيها بخلل واضطراب أن جيل قد انصرم فجأة ثم جاء جيل فجأة بساعة واحدة أو بأقل من ذلك! , ثم إن هذا الجيل يحتاج ليتعود على هذه الحياة من جديد ويعيش فيها , لا هؤلاء يوجدون ففي كل مرة تجد أطفال وشباب وتجد شيوخ , هؤلاء يذهبون ويأتي أناس مكانهم بطريقة عجيبة فريدة تنبئ عن حكمة الرب تبارك وتعالى في الخلق , ثم هم هؤلاء يشبون ويشيبون ويترعرعون , ويقلبهم الله عزوجل بين يديه , يقلبهم بين البأساء والضراء , يقلبهم بين الأمراض وبين الأحزان وبين الأفراح وبين الأتراح , يقلبهم بين فتن الشهوات وبين فتن الشبهات , يتقلبون بين يديه فيمحصهم تمحيصا , يتبين المؤمن المحتسب الصادق الثابت القوي في إيمانه , ويتبين الآخر المتضعضع المتردد الذي إذا أصابه خير اطمئن به , وإذا أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة , لم يتركهم سدى وهملا , أرسل إليهم الرسل وهم أفضل البشر وأطهر البشر نفسا وروحا وأفعالا وأعمالا , يدعونهم إلى الله ويذكرونهم من غفلتهم , ويوجد أيضا الشياطين يرسلهم إبليس فيدعونهم إلى الشر إلى الهلكة إلى الردى إلى المصائب إلى معصية الله عزوجل , تارة بالشبهة التي يعمون بها بصيرتهم , وتارة بالشهوة التي يعمون بها أبصارهم , فهؤلاء يدعونهم للخير وهؤلاء يدعونهم للشر , فوجود إبليس ووجود أعوانه من الشياطين ليس شرا محضا , فإنما بذلك يتبين المؤمن الثابت ومن ينقاد لله عزوجل لرسله عليهم الصلوات والسلام ومن يتنكب هذا الطريق وينحرف.
حينما يرسل إليهم هذه الأوجاع والأمراض والخسارات في التجارات وما شابه ذلك , إنما يكون ذلك ليتبين من هو الثابت من الذي يقول الحمدلله رضينا بما قسم الله عزوجل , ومن الذي يضجر ويسخط ويتشكى , فالله ينظر إليهم ويطلع على كل قليل وكثير في قلوبهم وأعمالهم وأقوالهم ينظر كيف يعملون: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً).
فهذه الأمور إذا تفكر فيها العبد يرى ما يحصل فيها من المصالح والخير , ولهذا يقال هذه الأشياء التي تحصل من خسارة من موت لقريب من مرض من مصيبة تنزل بالإنسان , هذه الأشياء جميعا إنما يتمحص فيها الإنسان وترفع درجاته , وقد تكون له منازل بالجنة ما يبلغه بصلاته ولا صيامه , وإنما يبلغها بهذا الأمر الذي قدره الله عزوجل له , فصبر واحتسب فيرفع , وتجد العبد لربما يحزن بسبب هذا الأمر الذي وقع له , ولو علم ما له عند الله عزوجل وماذا يريد الله به من الألطاف لفرح بهذه المصيبة , ولذلك كان بعض السلف يفرحون بالمصائب , كان معاذ رضي الله عنه عندما ظهرت في كفه بثرة الطاعون , والطاعون مرض قاتل , كان يقف على المنبر وهو يخطب أمام الناس ويقبلها أمامهم فرحا بها , أين نحن من هؤلاء! , وعبدالله بن مسعود رضي الله عنه دخل عليه بعض أصحابه فرأوا عنده غلمانا في غاية الحسن كأنهم ذهب فجعلوا ينظرون إليهم , فقال أتعجبون من حسنهم؟ والله إني لأتمنى موتهم! , لماذا قال هذا الكلام؟ لما يعلم ماله عند الله إذا احتسب حبيبه إذا فقده من أهل الدنيا , وكذلك عمر بن عبدالعزيز كان يقول لابنه عبدالملك (مات ابنه وعمره 19 سنة) كان يقول له: يا بني إني أشتهي موتك قبلي كي
¥