تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أحتسبك , قال والله يا أبي لا أكره ما تشتهي , هذا عمر بن عبدالعزيز الخليفة الراشد الخامس من الخلفاء الراشدين , يقول لولده فلذة كبدة أكبر أولادة يقول له إني لأشتهي موتك قبلي! , وسفيان الثوي يقول ما من أحد أحب إلي من سعيد (يعني أباه) والله إن موته أحب إلي من كذا وكذا!! , طبعا هذه قضايا قد لا تبلغها عقولنا لا نتصورها لكن هؤلاء عرفوا ما يكون للإنسان من أجر إذا نزل به من مصاب فاحتسب , فهنا الله عزوجل يرفعه رفعا في الدرجات العالية , ويحط عنه من السيئات ما الله به عليم , فيقدم على ربه تبارك وتعالى ليس عليه ذنب , كما قاله صلى الله عليه وسلم بأن الهم والحزن حتى الشوكة يشاكها المؤمن كل ذلك يكفر الله به من خطاياه , ثم يقدم العبد على ربه تبارك وتعالى حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة , ولا يفهم من ذلك أن أحدا يسوغ له أن يتمنى الابتلاء ولكن العبد إذا نزل به البلاء فعليه أن يصبر , فإن ارتقى مرتبة فعليه أن يرضى , فإن ارتقى مرتبة ثالثة فعليه أن يشكر الله عزوجل على هذه البلوى التي نزلت به لأن الله عزوجل ما ساقها إليه ليهلكه , وإنما ساقها إليها ليمحصه وليرفع درجته ومنزلته , وهكذا يحسن المسلم الظن بربه جل جلاله.

وابن القيم رحمه الله له كلام مفيد نافع في هذا الموضوع حيث يقول رحمه الله في تعليل ذلك وبيان وجهه يقول: وهو الله سبحانه يحب أن يظهر لعباده حلمه وصبره وأناته وسعة رحمته وجوده. فاقتضى ذلك خلق من يشرك به ويضاده في حكمه ويجتهد في مخالفته ويسعى في مساخطه. بل يشبهه سبحانه وهو مع ذلك يسوق إليه أنواع الطيبات، ويرزقه ويعافيه، ويمكَّ له من لأسباب ما يتلذذ به من أصناف النعم، ويجيب دعاءه، ويكشف عنه السوء، ويعامله من بره وإحسانه بضد ما يعامله هو به من كفره وشركه وإساءته، فلله كم في ذلك من حكمة وحمد. ويتحبب إلى أوليائه ويتعرف بأنواع كمالاته. كما في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله يجعلون له الولد وهو يرزقهم ويعافيهم) وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: (شتمني ابن آدم وما ينبغي له ذلك , وكذبني ابن آدم وما ينبغي له ذلك , وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد الذي لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد , وأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته) أخرجه البخاري , وهو سبحانه مع هذا الشتم له والتكذيب يرزق الشاتم المكذب، ويعافيه، ويدفع عنه، ويدعوه إلى جنته، ويقبل توبته إذا تاب إليه، ويبدله بسيئاته حسنات، ويلطف به في جميع أحواله، ويؤهله لإرسال رسله، ويأمرهم بأن يلينوا له القول ويرفقوا به , إلى أن قال رحمه الله: فهو سبحانه لكمال محبته لأسمائه وصفاته اقتضى اقتضى حمده وحكمته أن يخلق خلقاً يظهر فيهم أحكامها وآثارها. فلمحبته للعفو خلق من يحسن العفو عنه. ولمحبته للمغفرة خلق من يغفر له ويحلم عنه ويصبر عليه ولا يعاجله بل يكون يحب أمانه وإمهاله ولمحبته لعدله وحكمته خلق من يظهر فيهم عدله وحكمته. ولمحبته للجود والإحسان والبر خلق من يعامله بالإساءة والعصيان وهو سبحانه يعامله بالمغفرة والإحسان. فلولا خلق من يجري على أيديهم أنواع المعاصي والمخالفات لفاتت هذه الحكم والمصالح وأضعافها وأضعاف أضعافها , فتبارك الله رب العالمين وأحكم الحاكمين، ذو الحكمة البالغة والنعم السابقة. الذي وصلت حكمته إلى حيث وصلت قدرته، وله في كل شيء حكمة باهرة كما أن له فيه قدرة قاهرة وهدايات وما ذكرناه إنما هو قطرة من بحر وإلا فعقول البشر أعجز وأضعف وأقصر من أن تحيط بكمال حكمته في شيء من خلقه.

· لا يظهر معنى العزيز إلا بأن يقهر الظالمين وأن ينزل بهم ألوان العقوبات , ولا يظهر معنى اسمه الحليم إلا إذا أمهل الظالمين المجرمين وصبر الله تبارك وتعالى على ظلمهم , ولا يظهر من معاني أسمائه الأخرى كالكريم والجواد إلا ذا أغدق النعم على خلقه , وهكذا له في كل فعل من أفعاله وقدر من أقداره له حكم بالغة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير