- إذا أيقن العبد أن ربع حكيم استراح قلبه , فقد تخفى عليه بعض الأمور في بعض الأقدار , وفي بعض أعمال الرب تبارك وتعالى , فيرجع إلى هذا الأصل الكبير وهو أن الله حكيم , فلا يشرع إلا لحكمه ولا يقدر إلا لحكمه , فعليه إذا أن ينشرح قلبه ولا يتردد ولا يتشكك ولا يتذمر ولا يتحير وإنما يبقى في غاية الطمأنينة والانقياد والتسليم , فالذين يظنون أن هذا الخلق إنما هو للهو وللعبث هؤلاء الذين ساءت ظنونهم بالله عزوجل , الله يقول: (ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا).
- ومما يؤثره أيضا أنه لا يسوغ لأحد أن يتكنى بأبي الحكم , كما ذكرنا في أول اسم الله الحكيم.
· التوازن العجيب في المخلوقات:
· هذه الأفلاك في حركة الشمس وما إلى ذلك من الأفلاك التي تؤثر حركاتها في وجود الفصول الأربعة , وفي وجود الليل والنهار , فالشمس حينما تدور حول نفسها وحينما تدور حول الأرض , فمن هذه التحركات توجد هذه الفصول , فصيف وشتاء وربيع وخريف , وفي كل فصل من هذه الفصول تخرج بعض أنواع النباتات التي ينتفع بها الناس وتنتفع بها دوابهم , وفي هذه الفصول يتغير الهواء ويحصل في ذلك من المنافع ما الله به عليم , ويكون فيه أيضا من طرد الملل عن الناس , فإذا طال الشتاء على الناس سئموا وكذلك في الصيف , ولو أن هذه الأمور كانت تبعا لأهواء الناس لفسدت السماوات والأرض , هب أن الليل بقي علينا سرمدا علينا إلى يوم القيامة كيف تكون حياة الناس؟ ولو أن النهار بقي مستمرا سرمدا إلى يوم القيامة من يأتيهم بليل يسكنون فيه , أنتم تلاحظون أن الليل فطر الله عزوجل فطرة لا تتبدل ولا تتغير أنه محل للهدوء وللسكون ويصلح للراحة من الهموم والتعب , فتكون نفوسهم متهيئة وأجسامهم مسترخية تطلب النوم , ولو أن الرجل نام ساعة واحدة في الليل فإنه تغنيه عن ساعات من النهار , ولذلك نلاحظ في الناس الذين يألفون البقاء في الليل فإن حياتهم لا تكون مستقرة , كما أن نفوسهم أيضا تكون فيها شيء من الاضطراب وعدم الاستقرار , يعرف ذلك من جربه , فهذه حكم لله تبارك وتعالى في هذا الخلق.
· ثم انظر إلى هذا الغلاف الذي يغطي هذه الأرض , كما يقول أهل الفلك إنه ممتد امتداد طويل إلى نحو 500 ميل في السماء , ثم أيضا هذا الغلاف يغلف الأرض فهو بمنزلة الحماية والوقاية , فكثير من السواقط والأجرام والشهب التي تسقط من النجوم تتحلل في هذا السياج قبل أن تصل إلى الأرض وإلا دمرتها أو أنها لربما أحرقتها , ثم هو أيضا يحفظ هذا التوازن في درجات الحرارة , كل هذا بتقدير الله عزوجل , ثم أيضا له أثر فيما يتعلق في تكوين السحب ونقلها وما شابه ذلك.
· ثم انظر أيضا إلى هذا الهواء الذي تتنفسه ومما يتركب؟ فالأكسجين الذي لا تستقيم الحياة إلا به , موجود بنسبة محددة مقدرة , وهي تمثل قرابة 21% من الهواء , لو زادت هذه النسبة إلى 40% مثلا لاحترقت كل المواد القابلة للاحتراق , ولو هبطت إلى 10% مثلا لانتهت الحياة على سطح الأرض.
· إذا سرحت طرفك ونظرت في عالم الحشرات مثلا , فهي تبقى أحجامها صغيرة مهما تضخمت , فهذه الحشرات لو كانت تنمو وتكبر ولم يقدر لها الله عزوجل حدا معينا , لصارت البعوضة بمقدار الفيل , وصارت الجعلان بمقادير الجمال , ولما استطاع الناس أن يعيشوا على وجه هذه الأرض , ولكن الله عزوجل قدر لها حدا لا تتجاوزه , فهي ليست من ذوات الرئة مثلا , فلها قصبات معينة يجري عن طريقها التنفس , فهذه القصبات لا يمكن أن تزداد ولا يمكن أن تتسع , فهي باقية إذا بهذا الحجم لا يمكن أن تنمو ولا تتضخم , مع أنك لو وضعت المجهر على بعض الكائنات التي لا ترى بالعين المجردة لرأى عجبا , فلو رآها الناس في هذا الهواء وفي ثيابهم وفي فرشهم لما قر لهم قرار , ولما استطاعوا أن يأكلوا طعاما , ولربما كنت الآية تعج بمثل هذه الكائنات ويلتهما الإنسان , ولربما كان في التهامها بعض الأحيان بعض المصالح.
¥