فهذه العبارات عبارات متقاربة يمكن أن يجمعها قول ابن كثير رحمه الله: هو المحمود في جميع أفعاله وأقواله وشرعه وقدره لا إله إلا هو ولا رب سواه.
وكما قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله في التفسير: الحميد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله , فله من الأسماء أحسنها , ومن الصفات أكملها وأحسنها , فغن أفعاله تعالى دائرة بين الفضل والعدل.
· الله سبحانه وتعالى حميد من وجهين:
1 - أن جميع المخلوقات ناطقة بحمده , فهو حميد من هذه الناحية , فكل حمد وقع من أهل السماوات والأرض الأولين منهم والآخرين , وكل حمد يقع منهم في الدنيا والآخرة , وكل حمد لم يقع منهم بل كان مفروضا ومقدرا حيث ما تسلسلت الأزمان , واتصلت الأوقات , حمدا يملأ الوجود كله , العالم العلوي والسفلي , ويملأ نظير الوجود من غير عد ولا إحصاء , فإن الله تعالى مستحقه من وجوه كثيرة منها أن الله هو الذي خلقهم ورزقهم وأسدى عليهم النعم الظاهرة والباطنة الدينية والدنيوية , وصرف عنهم النغم والمكاره , فما بالعباد من نعمة فمن الله , ولا يدفع الشرور إلا هو , فيستحق منهم أن يحمدوه في جميع الأوقات , وأن يثنوا عليه ويشكروه بعدد اللحظات.
2 - أنه يحمد على ماله من الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العلى , والمحامد والنعوت الجليلة الجميلة , فله كل صفة كمال , وله من تلك الصفة أكملها وأعظمها , فكل صفة من صفاته يستحق عليها الحمد والثناء , فكيف بجميع الأوصاف المقدسة , فله الحمد لذاته وله الحمد لصفاته وله الحمد لأفعاله لأنها دائرة ببين أفعال الفضل والإحسان , وبين أفعال العدل والحكمة التي يستحق عليها كمال الحمد , وله الحمد على خلقه وعلى شرعه , وعلى أحكامه القدرية والشرعية , وأحكام الجزاء في الأولى والآخرة , وتفاصيل حمده وما يحمد عليه لا تحيط بها الأفكار ولا تحصيها الأقلام , كما قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله في كتابه الحق الواضح المبين.
· هذا الحمد الذي نضيفه إلى الله تبارك وتعالى ظرفه الزماني بينه الله عزوجل وهو الدنيا والآخرة , كما قال الله عزوجل (لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ) وأما ظرف هذا الحمد المكاني فهو السماوات والأرض كما قال الله عزوجل (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ) فذكر في هذه الآية الظرف المكاني والظرف الزماني.
· جاء هذا الاسم في كتاب الله عزوجل سبعة عشر مرة , تارة يأتي هذا الاسم بمفرده غير مقترن باسم آخر من أسماء الله الحسنى , وتارة يأتي مقترنا مع غيره.
- وقد جاء بمفردة مرة واحدة في كتاب الله عزوجل في سورة الحج وذلك في قوله تعالى: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنْ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ).
- وجاء مقترنا باسم الله الغني عشر مرات مثل قوله تعالى: (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) , وكقوله في سورة إبراهيم: (وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) , وكقوله في سورة لقمان: (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) , وكقوله في سورة فاطر: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) , وإلى غير ذلك من المواضع , ويمكن أن يقال في سر هذا الاقتران والله أعلم , أن الغنى يكون مظنة للطغيان , وكما قال الله عزوجل: (إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) إلا من عصمه الله عزوجل وهدى قلبه ووقاه , فأدى حق الله عزوجل وأخذ هذا المال من حله وصرفه في وجوهه المشروعة , ولكن الغالب أن الغنى يحمل على البطر والطغيان وما إلى ذلك من الأمور التي لا تليق , أما الله عزوجل فهو مع غناه الواسع الكامل محمود مع هذا الغنى لا يلحقه بسببه نقص بوجه من الوجوه فله الكمال المطلق وله الحمد المطلق مع غناه الواسع الكامل الذي لا افتقار معه بوجه من الوجوه إلى شيء من الأشياء أو إلى أحد من المخلوقين.
¥