الحميد والمجيد ..... إلى أن قال: فلما كان المطلوب للرسول صلى الله عليه وسلم حمد ومجد بصلاة الله عليه ختم هذا السؤال باسمي الحميد والمجيد (يعني إنك حميد ومجيد) وأيضا فإنه لما كان المطلوب للرسول صلى الله عليه وسلم حمد ومجد , وكان ذلك حاصل له , ختم ذلك بالإخبار عن ثبوت ذينك الوصفين للرب بطريق الأولى , فهو أولى إذا بالحمد والمجد لأنه مسدي هذه الأوصاف لرسوله صلى الله عليه وسلم.
يقول ابن القيم رحمه الله في موضع آخر: أحسن ما قرن اسم المجيد إلى الحميد , كما قالت الملائكة لبيت الخليل عليه السلام (رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) , وكما شرع لنا في آخر الصلاة أن نثني على الرب تعالى أنه حميد مجيد , وشرع في آخر الركعة عند الاعتدال أن نقول (ربنا ولك الحمد أهل الثناء والمجد) فالحمد والمجد على الإطلاق لله الحميد المجيد , فالحميد الحبيب المستحق لجميع صفات الكمال , والمجيد العظيم الواسع القادر الغني ذو الجلال والإكرام.
· إذا عرفت أن الله عزوجل هو الحميد , وأن الحمد يضاف إلى الله تبارك وتعالى فاعلم أن هذا الحمد من أوسع الأوصاف وذلك لكثرة الأمول التي تستوجب حمده جل جلاله , فالله تبارك وتعالى محمود من كل وجه , محمود في ذاته وفي أسماءه وفي أوصافه وأفعاله , وكلما كان بصر العبد نافذا في الأمور التي تستوجب الحمد لله عزجل , كلما كان أعرف بكثرة وجوه حمده سبحانه وتعالى , وأنه يستحق أعظم الحمد.
· نوع الله سبحانه حمده وأسباب حمده وجمعها تارة وفرقها أخرى , ليتعرف إلى عباده ويعرفهم كيف يحمدونه , وكيف يثنون عليه , وليتحبب إليهم بذلك ويحبهم إذا عرفوه وأحبوه وحمدوه , قال تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) , فحمد نفسه على ربوبيته للعالمين , وحمد نفسه على رحمته , وحمد نفسه على ملكه سبحانه وتعالى.
وقال عزوجل: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) فحمد نفسه على خلق السماوات والأرض وهي من أكبر الأجرام المخلوقة , وحمد نفسه سبحانه على خلق الظلمات والنور , وعاب على هؤلاء الكفرة الذين يعدلون به ويوازون به المعبودات الباطلة التي لم تخلق شيئا من ذلك.
وقال سبحانه: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قَيِّماً لِيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً) فحمد نفسه على إنزاله للكتاب الذي هذه صفته.
وحمد نفسه كما قال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) فحمد نفسه على ملكه التام المطلق الكامل , وحمد نفسه على ما يستوجبه من المحامد في الآخرة , وحمد نفسه أيضا على حكمته وعلى خبرته لأنه يضع الأمور في مواضعها ويوقعها في مواقعها , وهو يعلم بواطن الأمور فهو الخبير جل جلاله.
وقال تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فله الحمد على ابتداء خلق السماوات والأرض , وعلى خلق الملائكة وجعلهم بهذه الأوصاف من التفاوت في الخلق , فبعضهم له جناحان وبعضهم له أكثر من ذلك , وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام على كرسي بين السماء والأرض قد سد ما بين الأفق له ستمائة جناح.
وأخبر تبارك تعالى عن حمد خلقه له بعد فصله بينهم والحكم لأهل طاعته بثوابه وكرامته , والحكم لأهل معصيته بعقابه وإهانته , كما قال: (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
¥