لهم إلا أكرم الوسائل , وأفضل المنازل , وأجل العلوم والمعارف , قال تعالى: (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) , وقال: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً) , فكل هذا التلطف والإنعام والإكرام والتودد لعباده والتفضل عليهم بمثل هذه التوجيهات الكريمة , والنعم الظاهرة والباطنة , كل ذلك يوجب مزيد حمد له تبارك وتعالى لمن كان له قلب , أو ألقى السمع وهو شهيد , هذا مع أن الله عزوجل ليس محتاجا إلى خلقه لا في قليل ولا في كثير , وإنما هم الفقراء إليه الفقر التام الذي لا يستغني عن ربه طرفة عين في جميع أحواله في قيامه وقعوده وحركته وسكونه فهو مفتقر إلى الله عزوجل كل الإفقتار.
· الدنيا التي نعيش فيها كما قال ابن القيم في مفتاح السعادة بمثابة القرية , والمؤمن رئيسها , والكل مشغول به , ساع في مصلحته , والكل قد أقيم في خدمته وحوائجه , فالملائكة الذين هم حملة العرش ومن حوله يستغفرون له , والملائكة الموكلون به يحفظونه , والموكلون بالقطر والنبات يسعون في رزقه ويعملون فيه , والأفلاك سخرت منقادة دائرة بما فيه مصالحه , والشمس والقمر والنجوم مسخرات جاريات بحساب أزمنته وأوقاته , والعالم الجوي مسخر له برياحه وهواءه وسحابه وطيره , وما أودع فيه , والعالم السفلي كله مسخر له مخلوق لمصالحه , أرضه وجباله وبحاره وأنهار , وأشجاره وثماره ونباته وحيوانه , كل ذلك مسخر له , والله سبحانه يقول: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمْ الأَنهَارَ وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ).
· المؤمن يحمد ربه كما علمه الله عزوجل , ويحمد ربه على انفراد هذا الرب المعبود بالملك , وعلى انفراده بكل ألوان المحامد , كما قال عزوجل: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قَيِّماً لِيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً) , ويحمد ربه تبارك وتعالى أن سواه ونفخ فيه من روحه , وأسجد له ملائكته , وأمده بكل النعم التي تصلحه وتسعده في الدنيا , وهداه إلى ما يسعده في الآخرة في جنات النعيم , كما قال أهل الإيمان في ما حكى الله عزوجل عنهم: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) , ويحمد ربه على النعم الظاهرة والباطنة التي أمده ويمده بها في كل لحظة من لحظات حياته , فهو الذي جعل لك السمع والبصر والفؤاد , وهو الذي ركب فيك هذه اليد وهذه الرجل , وجعل لك هذا الخلق العجيب بهذا التفصيل الغريب , وهو الذي سخر لك الليل والنهار , والفلك والدواب , وجعل لك الماء الذي تشربه عذبا , والطعام الذي تأكله طيبا نضيجا , (وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ) , (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) , (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) , (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ
¥