- أن يعلم أن هذه الأسماء تتضمن أوصافا , فالغفور والغفار والغافر كل ذلك يتضمن صفة المغفرة , فنحن نثبتها لله عزوجل على ما يليق بجلاله وعظمته , ومغفرة الله مغفرة واسعة عظيمة على كثرة الخلق وعلى كثرة ذنوبهم وتفاوتها , ومع ذلك فغن مغفرته تبارك وتعالى واسعة , يغفر الذنوب جميعا لمن تاب إليه وأناب إليه , وقد يغفر الله تبارك وتعالى ابتداءا من غير توبة , تفضلا منه جل جلاله , واسم الله تبارك وتعالى الغفور والغفار كل ذلك مبني على المبالغة أي لكثرة مغفرته سبحانه وتعالى , دل على ذلك قوله تبارك وتعالى في سورة الزمر: (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) , وقوله في النساء: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً) , فمهما عظمت ذنوب الإنسان فإن ذلك لا يتعاظم على الله عزوجل أن يغفر له هذه الذنوب كما قال تبارك وتعالى: (إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) , وقد تكفل لمن آمن به وتاب إليه وأناب أن يغفر له الذنوب وإن كانت غاية في العظم كما قال عزوجل: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) , بل أعظم من ذلك وعد التائبين أن يبدل هذه السيئات التي اقترفوها أن يبدلها حسنات وذلك في قوله عن التائبين: (فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) , ومما يدل على سعة مغفرته أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم كما أخرج الترمذي وأبو داوود بإسناد صحيح من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفرت ذنوبه وإن كان قد فر من الزحف) , ومما يدل على سعة مغفرته أيضا ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله عزوجل من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها أو أزيد , ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئة سيئة مثلها أو أغفر , ومن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا , ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا , ومن أتاني يمشي أتيته هرولة , ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشكر بي شيئا , لقيته بمثله مغفرة) , ومعنى قراب الأرض أي ما يقارب ملأها , ومما يدل أيضا على هذا المعنى ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عني النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه تعالى قال: (أذنب عبد ذنبا فقال اللهم اغفر لي ذنبي , فقال الله تبارك وتعالى أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب , ثم عاد فأذنب فقال أي ربي اغفر لي ذنبي , فقال تبارك وتعالى أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب , ثم عاد فأذنب فقال أي ربي اغفر لي ذنبي , فقال تبارك وتعالى أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب , قد غفرت لعبدي فليفعل ما شاء) أخرجه البخاري ومسلم.
ومعنى ذلك أن هذا الإنسان يذنب الذنوب ثم يتوب توبة صحيحة بشروطها , ثم بعد ذلك يرجع إلى الذنب ولا يقصد الإصرار , وحينما تاب إلى الله عزوجل , لم يكن يتوب إلى الله جل وعلا بلسانه فقط , بل تاب مع عزمه على أن لا يعود مع وقوع الندم في قلبه , فغفر الله له , ومن تاب مستجمعا لهذه الشروط فإن الله يقبل توبته وهي توبة صحيحة , فإن غلبه نفسه أو شيطانه أو هواه فعمل الذنب ثانية ثم تاب هذه التوبة غفر الله له , ولهذا فإن الشيطان يأتي لكثير من الجهلة الذين يفعلون الذنب ثم يتوبون توبة صحيحة , ثم يفعلونه ثانية وثالثة ورابعة ولم يقصدوا الإصرار , يأتيهم فيقول أنتم تستهزئون بالله عزوجل حينما تتوبون هذه التوبة , فيأيسهم من رحمة الله عزوجل ومن ثم يغريهم بترك التوبة , والاستمرار على هذه الذنوب , ولو كان ناصحا لنصحهم بترك ذلك أجمع , وأن لا يعودا إليه ثانية , ولكنه ينصحه بترك التوبة ويغريهم بالاستمرار على الذنب , ولا شك أن هذا جهل من العبد.
¥