- إذا كان أشرف الخلق وأطوع الخلق لله تبارك وتعالى هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام , وهم أقرب الخلق إلى ربهم ومليكهم ومولاهم , إذا كانوا هم أقرب الخلق هم مع ذلك يستغفرون الله عزوجل , فهذا آدم عليه الصلاة والسلام حينما أكل من الشجرة وأكلت زوجه حواء: (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ).
وهذا نوح عليه الصلاة والسلام حينما سأل ربه نجاة ابنه فعاتبه الله عزوجل على ذلك وقال له: (فَلا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ) أناب إلى ربه تبارك وتعالى واستغفره فقال: (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِين) , ويقول نوح عليه الصلاة والسلام: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ).
وهذا أبو الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام يقول: (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) , وهذا موسى صلى الله عليه وسلم يقول: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) , ويقول بعدما قتل القبطي: (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) , وهذا داوود عليه الصلاة والسلام قال الله عنه: (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ) , وهذا سليمان عليه الصلاة والسلام آتاه الله الملك والنبوة: (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ).
وخاتم الرسل وأفضل الرسل هو محمد صلى الله عليه وسلم يقول الله له: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ) , فأمره بالاستغفار فكان يلهج به دائما امتثالا لأمر الله تبارك وتعالى , كما أخرج الشيخان عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري , وما أنت أعلم به مني , اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي , اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت , وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني , أنت إلهي لا إله إلا أنت) , وكذا ما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم ما صلى صلاة بعد أن نزلت عليه سورة إذا جاء نصر الله والفتح إلا ويقول: (سبحانك ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي) , وأيضا أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث ألغر المزني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة) , وجاء أيضا من حديث أبي هريرة المخرج في الصحيح أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة) , وأخرج أبو داوود والترمذي بإسناد صحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنها أنه قال: (إن كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم).
فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ما أعطاه الله عزوجل مع ما تقدم من ذنبه وما تأخر يكثر من هذا الاستغفار , فنحن من باب أولى أن نتقرب إلى الله بذلك , وأن نطلب من الله تبارك وتعالى أن يغفر لنا الذنوب والخطايا , وقد أثنى الله عزوجل على المستغفرين فقال: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) , وسيد الاستغفار هو ما أرشدنا عليه صلى الله عليه وسلم كما في حديث شداد بن أوس المخرج في الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: (سيد الاستغفار أن يقول
¥