· الإنسان عنده قدرة كما قال الله عزوجل: (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) في المحاربين , فالمخلوق يوصف بالقدرة , ولكن قدرة المخلوق شتان بينها وبين قدرة الخالق , فهي مسبوقة بالعجز , انظر إلى الإنسان حينما يخرج من بطن أمه , هو قطعة من اللحم تتحرك , لا يدفع عن نفسه قليلا ولا كثيرا , لو تُرك هلك , ثم إن الله عزوجل ينقله من طور إلى طور حتى يقوى ويشتد , ثم يظن في نفسه أنه يملك قوة وقدرة هائلة , والواقع أن الله عزوجل هو الذي أقدره على ذلك , فقدرة المخلوق إنما هي بما أعطاه الله عزوجل , وليست قدرة مستقلة عن إرادة الله تبارك وتعالى , إنما قدرته لأن الله أقدره , وأما القادر فهو على كشيء قدير , فقدرته وصف ذاتي له لم يكتسب ذلك من أحد , وليس هو ليكون قادرا ليس بحاجة إلى أحد , أما المخلوق فهو مهما عظم قدره وملكه وسلطانه , فإنه لا يستطيع أن ينفذ كثيرا مما أراد أن ينفذه إلا بالأعوان والمستشارين والخبراء والمنفذين وما شابه ذلك , أما الله عزوجل فإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون , ثم إن قدرة هذا المخلوق الضعيف أنا وأنت , قدرتنا محدودة , نقدر على بعض الأشياء بعض القدرة , ونعجز عن كثير من الأشياء , ولو أن الواحد منا وكل إليه بعض المهمات في جسده , لو قيل له فقط عليك أن تنفخ في هذه الرئة فهي موكولة إليك , لنفخ فيها ساعة أو ساعتين ثم أعياه التعب والعجز وصار في حالة يرثى له , ثم ترك ذلك كله وهلك , لا يستطيع فكيف ينام وقد وكل إليه نفسه , هذه الرئة فقط , كيف لو كل إليه شيء آخر كجريان الدم أو هضم الطعام أو نحو ذلك مما يجريه الله عزوجل في بدنك أيها الإنسان.
ثم أيضا هذه القدرة التي توجد عندك في بعض الأحيان تنزع منك فلا تستطيع أحيانا أن تحرك يدك إلى شيء بجانبك , فأنت بحاجة إلى من يعطيك هذا الشيء وإلى من يناول إليك هذا المطلوب وهذا شيء مشاهد , فالإنسان ضعيف مسكين عاجز فقير ينبغي أن يعرف قدر نفسه , فقدرته إنما هي بإقدار الله عزوجل , وهي قدرة محدودة ثم تنزع منه بعد ذلك , (وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
· جاءني أحد الإخوان ونحسبه من أهل الخير والصلاح , سمع الكلام مرة على بعض الأسماء الحسنى , قال كنت أقرأ في تفسير الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله , في قوله تعالى: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) , يقول فقلت في نفسي وتكلمت به , اللهم إن كنت تسمعني في هذه الساعة فاكسر يدي هذه يقول ونظرت إلى مكان فيها , يقول وما مضى سوى وقت يسير حتى كسرت , وأراني مكانها قد خيط ذلك أجمع , ولولا ثقتي بهذا الرجل ومعرفتي به ما حدثتكم بهذا , مع أن الله على كل شيء قدير , ولكن هذا مما يظهره الله عزوجل لخلقه وعباده من قدرته جل جلاله , فقلت له هلا قلت إن كنت تسمعني فاغفر لي وأصلح لي شأني كله.
· من عرف أن الله عزوجل على كل شيء قدير , فإنه يتوكل عليه ويفوض أموره جميعا إليه , فيركن إلى جنابه ولا يلتفت يمنة ولا يسره , لأن مقاليد الأمور بيده ولا يتعاصى عليه شيء , ولهذا لما ألقي إبراهيم عليه الصلاة والسلام في النار قال حسبي الله ونعم الوكيل , فأنجاه الله عزوجل من النار وقلبها بردا وسلاما عليه , وكذلك هود عليه الصلاة والسلام حينما دعا قومه إلى الله تبارك وتعالى , وكذبوه وردوا دعوته , وقالوا له (مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) , فلما قال له ذلك بين لهم كفره بآلهتهم ومعبوداتهم وأنه متوكل على الله عزوجل , الذي هو ربه وربهم , الذي ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها , ثم قال لهم متحديا: (فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا) قال لهم هذا القول لعظم ثقته بالله تبارك وتعالى , وأنه قادر على كل شيء , فماذا كانت النتيجة , كانت أن أهلكهم الله عزوجل الهلاك المستأصل وأنجى الله عزوجل هودا والذين آمنوا معه , وهكذا وقع لأنبياء
¥