الله عليهم الصلاة والسلام الذين أنجاهم الله عزوجل من عذاب أحدق بهؤلاء الكافرين المكذبين , وهكذا وقع لموسى صلى الله عليه وسلم حينما أراد فرعون أن يقتله , ففرعون يقول: (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ) وأبدى له تخوفه على دين الناس ومبادئهم وأخلاقياتهم , فموسى عليه السلام في نظر فرعون هو المفسد , فقال: (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ) , وموسى صلى الله عليه وسلم استعاذ بالله عزوجل من كيده ومن مكره ومن كفره , وقد قص الله عزوجل علينا خبر ذلك المؤمن الذي جاء ينصح فرعون وقومه , ويقول لهم: (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ) , إلى أن قال: (لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) , (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَاب ِ) إلى أن قال الله عزوجل: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمْ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) , فالله عزوجل كما قال عن نفسه: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً) , وقال: (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً).
· ومن كان بهذه المثابة فإذا عرفه العبد معرفة صحيحة , فإنه لا ييئس من رحمته فيرفع ما به من ضر , فيكشف عنه المصاب , ويرفع عنه البأس , وكثير من الناس إذا نزلت بهم بعض الأوجاع التي لا يرجون لها برءا يئسوا من رحمة الله عزوجل وقنطوا , فالله عزوجل قادر على أن يبدل هذا المرض بالعافية , وهذا الألم بالراحة , وهذا السهر بأن ينام العبد قرير العين , ولربما ابتلي العبد بولد عاق لا يخاف الله عزوجل فيه ولا يراقبه في هذا الوالد , قم ييئس من هداية هذا الولد , وما علم أن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمان يقلبها كيف يشاء , فكيف ييئس العبد أيها الإخوان وربه على كل شيء قدير , فإذا نزل به الضر فينبغي أن يلجأ إليه , وإذا ابتلي بولده فينبغي أن يلجأ إليه , وإذا ابتلي بتسلط عدوه عليه فإن الله قادر على تحويل هذه الهزيمة إلى نصر , وإلى تحويل قوة هذا العدو الضاربة إلى ضعف وانكسار وهزيمة , فالله عزوجل أخبرنا عن أمم مكنه في الأرض على مر التاريخ أهلكها وأبادها وصارت خبرا بعد عين , الله عزوجل يخبرنا عن قوم سبأ وما كان لهم من التمكين في الأرض وما كان لهم من الجنان وطيبة الهواء وكثرة المياة ووفرة الثمار , قال عزوجل: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) , فلما أعرضوا وكفروا بالله عزوجل بدلهم من هذا الإنعام إلى بلدة غبراء ليس فيها سوى الإثل والأكل الخمط وهو الشجر الذي يكون ثمره مرا وله شوك , ثم بعد ذلك سدر قليل لأن هذا السدر إن كان مما يؤكل وهو السدر الذي ينبت على المياه , فهذا شيء يأكلون منه ثمرة قليلة من شجرة ذات شوك , وإن كان من السدر الذي ينبت في البراري فهو لا ينتفع به وليس له ثمر يأكله الآدميون.
· ومما يؤثره في نفس العبد الإيمان بهذا الاسم الكريم , أن يعتبر العبد في نفسه وأن يكون شديد الوجل من الله تبارك وتعالى , وأن يعظمه التعظيم اللائق بجلاله وعظمته , فقد يعجب العبد ويغتر بما أعطاه الله من الصحة , وهذه الصحة تتبدل وتتغير حينما يعرض له المرض , ولربما دام مرضه وعلته وبقي طريح الفراش يشفق عليه عدوه , ونحن نشاهد الناس في أيام شبابهم وفتوتهم تمتلئ أجسامهم وتنتعش قوة وحيوية , ثم إذا نظرت إلى حال الرجل بعد هرمه وبعد شيخوخته , فإنك تشفق عليه وقد حنى الدهر ظهره وصار ينوء بنفسه إذا رام القيام ويُحمل , ولربما سأم الحياة , ولربما لم يتلذذ
¥