هذا هو الرد الأخير و سألخص فيه ما أعني بوضوح لعل فيه فائدة لمستفيد و قبل ذلك أنقل لك ما سألت في قولك: " أعني أريد كلام لأهل العلم في هذا التفريق أو في وقوع التشريع من النبي ابتداء بدون اجتهاد وبدون وحي.
فإن أثبت هذا الأمر فاعلم أخي أني أفرح به وتكون فائدة نفسية وأكون شاكراً لك عليها ".
أقول:
أثبت أهل العلم من أهل الأصول مثل الجصاص في كتابه الفصول بالنص الصريح الواضح أن القول بأن النبي صلى الله عليه و سلم قد يستقل بالحكم دون وحي من الله فيما يحكم فيه بأنه قول ثابت عن أهل العلم و قال بأنه ينقل هذا القول لإثباته عن أهل العلم و إن كان لا يرى صحته فقال:
(وقد قال بعض أهل العلم جائز أن يكون الله عز وجل قد جعل لنبيه عليه السلام أن يسن ما رأى ويفرض ما شاء باختياره من غير وحي يأتيه في ذلك الشيء بعينه كما قال للأقرع بن حابس لما سأله عن الحج أواجب في كل عام أو حجة واحدة فقال عليه السلام بل حجة واحدة ولو قلت نعم لوجبت وكما استثنى الإذخر عند مسألة العباس إياه ذلك حين قال لا يختلى خلاها ولا يعضد شوكها فقال العباس إلا الإذخر يا رسول الله فقال إلا الإذخر بعدما أطلق النهي في الجميع قال فهذا يدل على أنه قد كان حكم التحريم أو الإباحة معلقا باختياره) ثم قال (وليس الغرض الكلام في هذه المسألة ألا أنا بينا أن ذلك غير ممتنع عند قوم من أهل العلم وإن لم يثبت عندنا صحته)
الفصول من الأصول للجصاص (2\ 242 - 243)
بينما صرح السبكي رحمه الله من أهل الأصول في الابهاج شرح المنهاج على موافقة من قال بأن الله قد يفوض إلى نبيه الحكم في مسائل و يقول له احكم فيها فما حكمت به فهو حكمي حيث قال:
(فقد اختلف العلماء في أن هل يجوز أن يفوض الله تعالى حكم حادثة إلى رأي نبي من الأنبياء أو عالم من العلماء فيقول له احكم بما شئت فما صدر عنك فيها من الحكم فهو حكمي في عبادي ويكون إذ ذاك قوله من جملة المدارك الشرعية فذهب جماهير المعتزلة إلى امتناعه وجوزه الباقون منهم ومن غيرهم وهو الحق) ثم قال (وذكر الشافعي في كتاب الرسالة ما يدل عليه) ثم نقل عن الآمدي أن الشافعي توقف في ذلك. (3\ 196 - 198) الابهاج شرح المنهاج للسبكي
فهذه النقولات لم يكلفني البحث عنها أكثر من بضع دقائق و لن أصرف فيها أكثر من ذلك. فهذا القول من أنه عليه السلام قد يستقل بالحكم بلا وحي و أن يكون الله قد خصه بهذا قول معتبر بل و مشهور عند أهل العلم حيث يبثونه و يناقشونه في كتبهم كما رأيت وهو كما قلت لك سابقا و أنكرت علي ذلك حيث قلت لك " يكون حقا قد منحه الله لنبيه أن يوجب و ينفذ ما أوجبه فيما يراه في مصلحة المكلف " و يعلم الله أني قلت به وانا لا أعلم من قال به ممن لم يقل ولكنني كنت أتحدث بناءا على الأدلة واستنباطا منها فلا يضرني من قال و من لم يقل ولكن اصرارك العجيب على أنه قول ما سبقني اليه أحد و تكرارك لطلب النقولات عن أهل العلم جعلني أظن أنك تتكلم عن سابق تحقيق للمسألة و إذا بك تتكلم بعلمك الذي فاته الكثير بل و تستنكر و تشجب و تقول: (تصرف من النبي صلى الله عليه و سلم ليس بوحي خاص و لا باجتهاد منه؟!! الإشكال في هذا القسم على أي شيء ينزل؟ وما دليله؟ و ما هي أمثلته؟ ومن ذكره من أهل العلم؟) و تستنكر و تقول: (المسألة يا أخي ليست رأياً أو رؤية تراها أو أراها أنا وإنما هي مسألة شرعية يفصل فيها النصوص وأقوال أهل العلم فهي الفيصل) بل و تقول: (أنقل اليك الآيات و الاحاديث و نصوص اقوال المحققين من أهل العلم و تردها بكلام من بنيات أفكارك هداك الله!).
و قد نقلت لك أقوال أهل العلم حتى أن فيها رواية عن الشافعي بالقول به فأين كنت عن تلك الأقوال؟
بل حتى بعد أن وقعت أنت على تلك النقولات فتركتها و أغمضت عليها جفن عينك جئتني " بدم كذب " تبكي على أهل العلم الذين فارقت أنا قولهم - بزعمك - و ضربت بفهمهم عرض الحائط متبعاً بنيات أفكاري!!.
حيث تقول:
) أنا يا أخي بارك الله فيك قبل كل شيء أريد أن تثبت لي أنك سبقت بهذا الفهم؛ لأني ذكرت لك من النصوص وأقوال اهل العلم ما استقر عندهم في هذه المسألة فما أطلبه هو ذكر من خرج عن هذا القول وذهب إلى ما فهمته (
سبحان الله سبحان الله!
¥