تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

80. ومن صفاتهم كتمان الحق والتلبيس على أهله ورميهم له بأدوائهم فيرمونهم إذا أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ودعوا إلى الله ورسوله بأنهم أهل فتن مفسدون في الأرض وقد علم الله ورسوله والمؤمنون بأنهم أهل الفتن المفسدون في الأرض وإذا دعاهم ورثة الرسول إلى كتاب الله وسنة رسوله خالصة غير مشوبة رموهم بالبدع والضلال وإذا رأوهم زاهدين في الدنيا راغبين في الآخرة متمسكين بطاعة الله ورسوله رموهم بالزوكرة والتلبيس والمحال وإذا رأوا معهم حقا ألبسوه لباس الباطل وأخرجوه لضعفاء العقول في قالب شنيع لينفروهم عنه وإذا كان معهم باطل ألسوه لباس الحق وأخرجوه في قالبه ليقبل منهم

وجملة أمرهم أنهم في المسلمين كالزغل في النقود يروج على أكثر الناس لعدم بصيرتهم بالنقد ويعرف حاله الناقد البصير من الناس وقليل ما هم وليس على الأديان أضر من هذا الضرب من الناس وإنما تفسد الأديان من قبلهم ولهذا جلا الله أمرهم في القرآن وأوضح أوصافهم وبين أحوالهم وكرر ذكرهم لشدة المؤنة على الأمة بهم وعظم البلية عليهم بوجودهم بين أظهرهم وفرط حاجتهم إلى معرفتهم والتحرز من مشابهتهم والإصغاء إليهم فكم قطعوا على السالكين إلى الله طرق الهدى وسلكوا بهم سبيل الردى وعدوهم ومنوهم ولكن وعدوهم الغرور ومنوهم الويل والثبور فكم من قتيل ولكن في سبيل الشيطان وسليب ولكن للباس التقوى والإيمان وأسير لا يرجى له الخلاص وفار من الله لا إليه وهيهات ولات حين مناص صحبتهم توجب العار والشنار وموودتهم تحل غضب الجبار وتوجب دخول النار من علقت به كلاليب كلبهم ومخاليب رأيهم مزقت منه ثياب الدين والإيمان وقطعت له مقطعات من البلاء والخذلان فهو يسمحب من الحرمان والشقاوة أذيالا ويمشي على عقبيه القهقهرى إدبارا منه وهو يحسب ذلك إقبالا فهم والله قطاع الطريق فيا أيها الركب المسافرون إلى منازل السعداء حذار منهم حذار إذ هم الجزارون ألسنتهم شفار البلايا ففرارا منهم أيها الغنم فرارا ومن البلية إنهم الأعداء حقا وليس لنا بد من مصاحبتهم وخلطتهم أعظم الداء وليس بد في مخالطتهم قد جعلوا على أبواب جهنم دعاة إليها فبعدا للمستجيبين ونصبوا شباكهم حواليها على ما حفت به من الشهوات فويل للمغترين نصبوا الشباك ومدوا الأشراك وأذن مؤذنهم يا شياه الأنعام حي على الهلاك حي عن التباب فاستبقوا يهرعون إليهم فأوردوهم حياض العذاب لا الموارد العذاب وساموهم من الخسف والبلاء أعظم خطة وقالوا ادخلوا باب الهوان صاغرين ولا تقولوا حطة فليس بيوم حطة فواعجبا لمن نجا من شراكهم لا من علق وأنى ينجو من غلبت عليه شقاوته ولها خلق فحقيق بأهل هذه الطبقة أن يحلوا بالمحل الذي أحلهم الله من دار الهوان وأن ينزلوا في أردأ منازل أهل العناد والكفران وبحسب إيمان العبد ومعرفته يكون خوفه أن يكون من أهل هذه الطبقة ولهذا اشتد خوف سادة الأمة وسابقوها على أنفسهم أن يكونوا منهم فكان عمر بن الخطاب يقول يا حذيفة ناشدتك الله هل سماني رسول الله مع القوم فيقول لا ولا أزكي بعد أحدا يعني لا أفتح علي هذا الباب في تزكية الناس وليس معناه أنه لم يبرأ من النفاق غيرك وقال ابن أبي مليكة أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبرائيل وميكائيل))

إنتهى كلام ابن القيم ـ رحمة الله تعالى عليه ـ

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير