و يصل الأمر بهذه الاستراتيجية إلى حد الاستفادة من مؤتمرات الحوار بمنهج التركيز على القيم المشتركة بين الإسلام والمسيحية - إذ يعلق أحد الأصوليين المسيحيين الأمريكيين على هذه الخطب بأنها تتوافق مع توجهات المسيحية (وهو بذلك خطاب تبشيري يساعد في الوصول إلى مؤمنين جدد!!) هكذا! ثم يشرح الأصولي الأمريكي بعد ذلك كيف يمكن للمسيحيين أن يبنوا على ذلك رسالتهم المتميزة، ومن الملاحظ أن الأصولية المسيحية تحرص هنا على التميز بعد أن تستفيد من عرض الآخرين للمشترك، ثم ترفض الآخر، وتعد العدة للحرب - المسيحية والحرب ص 148 –
ونحن نقدم هذه الملاحظة هدية لبعض المفكرين المسلمين الذين يقعون في هذا الفخ من خلال دعوتهم إلى مؤتمرات الحوار الإسلامي المسيحي الذي يتبنى القيم المشتركة، مهما يكن مصدرها الديني ... كما نهديها بوجه عام إلى من يعرضون الإسلام لا من خلال التميز ولكن من خلال المشترك.
ويبدو أن بعض من لا يزالون يحملون للمسلمين نوعا من الشفقة التي يوزعون بعضها على الحيوانات .. يشيرون للمسلمين إلى المخرج من هذا المصير الذي يبيتونه لهم، هذا المخرج الذي يتمثل في تقديرهم في التغريب أو العلمنة أو التنوير أو الحداثة وفق شروحاتهم المزيفة أو الملتبسة لهذه المصطلحات التي يستحدثون منها ما يشاءون، ويستحدثون منها جديدا كلما انكشف الغطاء عن قديم، وذلك كبديل لتلك الحرب الماحقة في زعمهم، إذ عندما سئل الوزير الإيطالي: كيف يمكن تجنب تلك المواجهة المحتملة؟ أجاب: (أن يصبح النموذج الغربي أكثر جاذبية وقبولا من جانب الآخرين في مختلف أنحاء العالم {يقصدنا ونحن نفهم وإن لم يغمز بعينه}، فإذا فشلنا في تعميم ذلك النموذج الغربي فإن العالم سيصبح مكانا في منتهى الخطورة).
معنى هذا: إما النموذج الغربي وإما الحرب.
ومعناه مرة أخرى: إما النموذج الغربي خضوعا واستسلاما بدون حرب عن طريق " الحوار "، و " الاندماج " فيكون هناك إسلام فرنسي، وإسلام إيطالي، وإسلام إنجليزي .. وإسلام سلفي وإسلام صوفي وإسلام معتدل .. وإما النموذج الغربي خضوعا واستسلاما عن طريق الحرب.
ولا شك أن الأصولية المسيحية الصهيونية تعتقد أن الأمر – حسب النبوءة – لن يكون إلا بالحرب.
والأدق من ذلك أن نقول: الأمران يعملان معا في انسجام وتكامل: فالبعض يسلِّم مقدما للنموذج الغربي ليسهِّل عملية الحرب التي تنصب من جهة أخرى على رءوس الباقين ممن يقاومون هذا النموذج ممن يطلق عليهم أوصاف الإرهاب والتطرف والظلامية.
وهو يتطابق في فحوى هذا التصريح مع فحوى تصريح رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جورج دبليو بوش عن موقف الدول الإسلامية من حربه ضد الإرهاب: إما أن يضربهم بقبضته إذا لم يكونوا معه ضد الإرهاب، وإما أن يضربهم بقبضتهم إذا انضموا إليه، فهم الإرهابيون في كلتا الحالتين.
والله أعلم
*****
تأتي إشارة البدء في حرب هرمجدون من حيث تصر الأصولية المسيحية على إعادة بناء الهيكل مكان المسجد الأقصى، كرغبة جارفة للوصول إلى لحظة الصدام، فهدم المسجد الأقصى – إذا حدث – هو إشارة البدء لحرب هرمجدون حسب تصوراتهم للأحداث المقبلة، ووفقا لتقدير الدكتور رفيق حبيب المسيحية والحرب ص 55
ومن مظاهر التمهيد لهذا العدوان الديني المسيصهيوني الذي يتبارى في التعامل معه بالحوار طلاب الود وعشاق التسامح ومرضى الاستسلام: من مظاهر هذا العدوان ما لا يزال يسجله التاريخ حول المسجد الأقصى في شبه غفلة من عشاق التسامح، فقد كان لهذا الفكر الأصولي الإنجيلي الصهيوني أثر كبير في اندفاع رجال الدين والرؤساء في الولايات المتحدة الأمريكية خصوصا والغرب عموما إلى دعم الدولة اليهودية في إجراءاتها الإجرامية بغير حدود، حيث يعتبرون قيامها بما تقوم به من جرائم ترتقي إلى مستوى الإبادة تنفيذا لإرادة إلهية.
¥