تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[لا قرآن على وجه الأرض: بين الأشعرية والقراء ة الحداثية.]

ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[20 - 05 - 07, 06:20 م]ـ

[لا قرآن على وجه الأرض: بين الأشعرية والقراء ة الحداثية.]

الأشعري:

يستحيل أن يكون على الارض كلام الله ... يوجد فقط الدال عليه ... هذا الكلام اللفظي [القرآن المقروء المسموع] دال على الكلام الحقيقي [الكلام النفسي الذي ليس بصوت ولا حرف]

شناعة القول باستحالة وجود القرآن على الارض -وهذا أقبح في نظري من قول المعتزلة بالخلق- ... ثابتة عليهم مهما حاولوا التمويه ... والتمويه عندهم اتخذ صورتين:

-التلبيس في الاصطلاح ودعوى الاشتراك .... فالقرآن قرآنان أحدهما لفظي والثاني نفسي .. أو أحدهما حقيقي والثاني مجازي .. أو أحدهما دال والثاني مدلول عليه .... وقبل ذلك اخترعوا نظرية في الكلام قائمة على الثنائية:لفظي/نفسي ... لتبرير موقفهم من القرآن.

-الصورة الثانية وهي اشبه ما تكون بالتقية ... مبنية على مراعاة نوع المخاطب ... حسب ثنائية العوام/الخواص ... فيجوز التصريح للخواص ولا يحوز ذلك للعوام ... فالقرآن الذي بأدينا مخلوق قطعا لكن لا ينبغي التصريح بذلك للجمهور ... وإنما يقال للخاصة الذين برعوا في علم الكلام على أصول الاشعرية والذين يعتقدون أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتلق كلام الله ولكن تلقى عبارات عنه ... لأن كلام الله الحقيقي لا سبيل إليه فهو لا يخرج من الذات ولا يعود إليها ولا يتجزأ ولا بداية له ولا نهاية له ولا يسمع ولا يكتب .... إلى أن تنتهي سلسلة الجمل المنفية الأثيرة عند المتكلمين عندما يتحدثون عن ربهم.

الحداثي:

أما الحداثي فمذهبه أقبح لكن شبهته أصعب في الرد ... ليس لمتانتها ولكن لسفسطتها

وقبل تفصيل شبهته أذكر ببعض خصائص الشبهة السفسطية:

اعلم أن شبهة السفسطي سخيفة مردودة بفطر الخلق ... والتشغيب فيها ظاهر لكل ذي مسكة عقل.

لكن الرد عليها بالعقل والمنطق صعب وربما مستحيل ... وحتى لو ألزمناه على مذهبه لوازم شنيعة لقبلها فالتناقض نفسه-وهو أكبر تشنيع- من صفات العقل عنده .. وإن كان يطلق على التناقض أسماء مخففة مثل التعددية والنسبية والقراءة وغيرها.

... وقد تنبه القدماء إلى هذا الأمر فرأوا أن أفضل طريقة للجواب على السفسطي هو الاعراض عنه أو صفعه .. وإلا قل لي –بربك-كيف ترد على من يعتقد أن الحركة مستحيلة على الإنسان وغيره ...

فلو كان أمامك باب على بعد ستة أمتار مثلا فإن السفسطي سيبرهن لك أنك لن تستطيع الوصول إليه أبدا ... لماذا؟

لأنك قبل أن تصل إليه لا بد أن تقطع نفس المسافة أولا-ثلاثة أمتار-ولتقطع نصف المسافة لا بد من قطع ربعها-متر ونصفه- ... ولقطع الربع لا بد أولا من قطع نصف الربع .. ثم نصف نصف الربع الخ ... باختصار يستحيل أن تتحرك من مكانك.

نعم، يمكن دحض نظرية السفسطائي بالوصول إلى الباب والخروج منه عمليا ...

ولكن لا سبيل إلى الرد عليه جدليا-رضي الله عن السلف ورحمهم كم كانوا يكرهون الجدل ... فلو أوكلنا إلى الجدل لأكل السفسطائيون الناس-

الحداثي يسلم جدلا بوجود القرآن ... ثم بعد ذلك يحكم الشبهة:

هو موجود لكن لا سبيل الى الوصول إليه ... الحداثي سيحدث تقسيما للوجود القرآني:

-الوجود العيني.

-الوجود المعرفي.

وهو تقسيم للوجود معروف في علم الكلام حيث يربع الوجود إلى: الوجود العيني والذهني و اللساني والكتبي .. ولما كان الحداثي يعشق التهويل ويستلطف الرنين فهو سيقول:

القرآن اتطولوجيا واحد وهو وحي إلهي حقا. ولكنه ابستمولوجيا لك الخيار ان تقول إنه غير موجود ... أو هو موجود بالتعدد ... ولا تناقض بين العبارتين فالمآل واحد:

الحداثي السفسطي يوضح:

عندما تقرأ القرآن فإنك تفهم منه معاني ودلالات ... وهذه المعاني والدلالات ذاتية محضة ... لك أن تنسبها إلى نفسك ولكن لا ينبغي أن تنسبها إلى القرآن ... فلا تقل هذا مراد الله بل هذا ما تصورته او اعتقدته مرادا لله .... وبذلك تنشأ هوة سحيقة بين القرآن والإنسان يستحيل ردمها ...

هذا مكر خطاب النفاق وجناحيه: نعم ولكن ...

-نعم القرآن موجود.

-لكن لا نعلم عنه إلا انعكاساته في الذهن ... ولا يوجد على الأرض إلا أفهامنا للقرآن ...

لكن ماذا عن فهم النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن وفهم الصحابة والتابعين وتطبيق قواعد الاصول في التفسير ... ؟

جواب الحداثي لا يتأخر:

المشكلة هي المشكلة ... والازدواجية هي عينها .. وما هو انطلوجي لا يضارع بالضرورة ما هو ابستملوجي .. نعم، هناك فهم النبي ولكن المشكلة في فهمك لفهم النبي ...

ولو افترضنا أن الله –سبحانه-فسر لنا كلامه مباشرة بكلام مسموع لكل البشر ومنهم الحداثيون ... لقالوا ما زالت المشكلة قائمة ... تحولت فقط من مرتبة الكلام الاول إلى الكلام الثاني ...

سبحان الله ...

كأن الحداثيين موجودون في كل عصر ... والحداثة شقيقة السفسطة ..

وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ- الحجر:14 - 15

لاحظوا النهج السفسطي/ الحداثي الذي لا يتغير:

ارجاع الخارج إلى الداخل ... وإلغاء الموضوعي لحساب الذاتي ...

هي انتكاسة العقل وانطماس الفطرة والعياذ بالله.

قال التوسير-منظر القراءة الحداثية وقاتل زوجته هيلين في نوبة جنون والمودع في مصحة المجانين حتى هلاكه-

ليس هناك خطاب بريء ...

ولست أدري هل كلمته تلك تخضع لقانون نفسها أم لا .... وهل لكلمتي هذه عن كلمته تلك الخاصية عينها ... على كل حال لا وجود لخطاب أصيل صحيح ...

قال نيتشه-فيلسوف القراءة المودع في مصحة المجانين حتى هلاكه-

ثمة عيون من جميع الألوان، إذن ثمة حقائق من جميع الالوان، إذن ليس ثمة حقيقة البتة.

الحمد لله الذي جعل نهاية هؤلاء عبرة لمن يعتبر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير