تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

شجعه وثبته وبشره ووعده بالنصر والظفر والغنيمة وبين له فضل الجهاد والمجاهدين وإنزال الله عليهم السكينة حتى وصف بأنه من أشجع الناس وأقواهم قلباً وكان يجاهد في سبيل الله بقلبه ولسانه ويده ولا يخاف في الله لومة لائم" (5) حتى صارت " بشجاعته تضرب الأمثال وببعضها يتشبه أكابر الأبطال" (6) فالعالم مجاهد باللسان والسنان لا يفصل بينهما بل هو أول الملبين إذا نودي للجهاد؛ حيث إن العالم أعلم من غيره بنصر الله وصدقه ووعده وبفضل المرابطة في سبيل الله ورفع الهمم المنحدرة إلى الحياة الدنيا المتثاقلة إلى الأرض وبكونه قدوة للقوم فينبغي أن يكون شجاعاً حتى يتأسوا به "وحكى بعض. حجاب الأمراء قال: قال لي الشيخ يوم اللقاء

[مع الطغاة المعتدين على المسلمين] وقد تراءى الجمعان:يا فلان! أوقفني موقف الموت قال: فسقته إلى مقابلة العدو –وهم منحدرون كالبدر تلوح أسلحتهم من تحت الغبار- وقلت له: هذا موقف الموت فدونك وما تريد قال: فرفع طرفه إلى السماء وأشخص بصره وحرك شفتيه طويلاً ثم انبعث وأقدم على القتال وقد قيل إنه دعا عليهم وأن دعاءه استجيب منه في تلك الساعة قال: ثم حال القتال بيننا والالتحام وما عدت رأيته حتى فتح الله ونصر ودخل جيش الإسلام إلى دمشق المحروسة والشيخ في أصحابه شاكياً في سلاحه عالية كلمته قائمة حجته ظاهرة ولايته مقبولة شفاعته مجابة دعوته ملتمسة بركته مكرماً معظماً ذا سلطان وكلمة نافذة وهو مع ذلك يقول للمادحين له: أنا رجل ملة لا رجل دولة" (1) فهذه بعض مآثر هذا الإمام الجهادية والتي تنم على شجاعته وجرأته في الحق سواء في الناحية العلمية والأدبية أو في الناحية القتالية الجهادية السياسية.

المطلب التاسع: هيبته:

هيبة الإنسان عند الآخرين إنما هي عطية من رب العالمين يمنحها من شاء من عباده؛ فكم من ذي سلطان أو جاهٍ أو مالٍ وعدة وعتاد ولكن ليست له هيبة في قلوب الخلق وإن خافوه لسطوته أو جاهه بل من الممكن لمن يراه أو من حوله أن يزدرونه لأنه منغمس في غياهب الثرى ويدعي أنه يمسك بالثريا، وهذا أمر معلوم ومشاهد وعليه اتفاق الجنس البشري، والناس في هيبتهم وما أوتوه من قسط منها مختلفون: فمنهم من هيبته قاصرة على البيئة المحيطة به من أصدقائه وأحبائه ومعارفه، ومنهم من يهابه ذوو السلطات وهم العلماء الربانيون ومنهم من يهابه هؤلاء وهؤلاء بل ويترقى إلى مستوىً أعلى حيث يهابه الأعداء ومن هذا الصنف الأخير الإمام ابن تيمية كما سجله التاريخ وتناقله الناس جيلاً بعد جيل وإنما نال هذه المكانة وتبوأ ذلك المنصب بسبب تعظيمه لخالقه سبحانه حيث إن القلب إن مُلئ إجلالاً وتعظيماً لله عز وجل تضاءلت سائر العظمات عند صاحب هذا القلب الذي لا يرى العظمة إلا في الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ثم في كل من نصر الشريعة الإسلامية وبذلك يرى من دون الله كالذر في قبضة مالك الملك ولهذا فيكون علمه خالصاً ابتغاء وجه ربه عز وجل فلا يسعى لمنصب أو يتطلع إلى جاه أو مال أو سلطان. ولو أن إنساناً كان في صحبة ملك قوي لا يقهر وقد عرف ملوك الأرض شدة بطشه وانتقامه فإن هؤلاء سيخافون من ذلك الملك ولا يتعرضون لمن هم في صحبته ومعيته اتقاءً لغضبه وبطشه وانتقامه فما بالنا بمن كان في صحبة الله تعالى ومعيته – وله المثل الأعلى- أفلا يكون أجدر بالهيبة لمعيته ذلك الملك المنتقم ذي القوة الشديدة؟! ولهذا فمن كانت صلته بالله قوية فإن كل المخلوقين من إنس وجان يهابونه؛ لأنه في معية خالقه سبحانه وهو لا يطمع في عرضٍ زائل مما في أيديهم من حطام الدنيا فيعلم ذوو السلطات والجاه والمال أو ذوو المناصب ممن افتتن بها أن هذا لا يبغي من عمله إلا وجه الله عز وجل فما يأتي وقت يواجه الحكام إلا وينقادون لرأيه لمعرفتهم بأنه لا يرجو من ذلك إلا الإصلاح والخير فيها لمنزلته وعلو قدره وإجلاله لا لقوته وسلطانه إذ لا يملك منها شيئاً بل يملك عمله الذي يتقرب به على ربه عز وجل والذي أوصله إلى أن يهابه الناس مع محبتهم له وإجلالهم لقدره ومن المواقف التي وقعت للإمام ابن تيمية وشهدها أناس كثيرون وحكوها دلالة على هيبته عند المخلوقين مما أكسبته محبة وإكراماً بين الخاصة والعامة من الناس موقفه من غازان لما ظهر على دمشق وأراد ملك الكرج ببذله أموالاً لغازان أن يتسلط على المسلمين من

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير