تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بلدي سياحة، وقال: المحبوس من حُبس قلبه عن ربه تعالى والمأسور من أسره هواه" (4)، ومن دوام ذكره لربه وتعظيمه له ما تناثر في مؤلفاته من كثرة كلامه على وجوب تمجيد الرب وتعظيمه وإجلاله وعدم تناقض شرعه وإثبات تفرده بوجوده وبربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته بالدلائل العقلية والنقلية وتوضيحه لشمول النصوص للأحكام ولمصالح العباد ومما يدل على مداومته على ذكر الله بأجل أنواع الذكر وهو القرآن في آخر حياته حيث أنه كان يداوم على مطالعة كتاب ربه ويتلوه آناء الليل وأطراف النهار "حتى إنه ليروى أنه تلا في السجن القرآن وختم ثمانين ختمة أو تزيد" (5) وقال الشيخ أبو الفرج زين الدين عبد الرحمن بن عبد الحليم" (6) إنه قرأ هو والشيخ منذ دخل القلعة ثمانين ختمة وشرعا في الحادية والثمانين فانتهيا فيها إلى آخر اقتربت (إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر) (7) " (8) فلم يترك الذكر بالقرآن والابتهال والتسبيح حتى آخر حياته مما يدل على دوام ذكره لربه وتعظيمه له.

وقد اتضح مما سبق من عوامل كونت عبقريته -فيما يرى الباحث- وشهد له بالتقدم في علوم عصره كل منصف لم يتلبس بشوائب الشهوات أو أكدار الشبهات وسعة علمه في كل ما طالته يداه مع ما آتاه الله من عبادة وتطبيق عملي لعلمه إضافة إلى عقل جبار وذكاء وقاد.

"إذا لم يكن هذا الذكاء بعينه فإني بألقاب الذكاء كفورُ

وإن لم تكن ألقابكم عبقرية إذاً فشهود العبقرية زورُ

إن لم يكن ابن تيمية عبقرياً فلا أدري من العبقري؟! وإذا لم يستول على منصب الألمعية فليس لأحد أن يترقى هذا المنصب" (1) ولعلو كعبه في العلوم الشرعية والعقلية في عصره وبعده عبر العصور حيث اشتهر صيته وتنوعت سجاياه وظهر دفاعه عن الشريعة وبلوغه أعلى المنازل العلمية في جميع الفنون حتى "إن ابن تيمية بلغ من الحظوة والرفعة وسمو المنزلة إلى درجة أنه استغنى عن لقب الشيخ والعالم والإمام والمجدد وصار أحسن أسمائه أنه ابن تيمية" (2) فإذا اختلفت الآراء وقال أحد الفريقين إن الإمام ابن تيمية قال: كذا وكذا فإن المخالف يعلم أن ذلك القائل إمام من أكابر الأئمة في الإسلام وهذا الاعتراف بدهي وطبيعي بشهادة علماء عصره: من الموافقين له والمخالفين ثم إن تآليفه شاهدة على ذلك إضافة إلى حياته الجهادية التي كانت منظومة من المحن والابتلاءات الداخلية والخارجية حيث رمي عن قوس واحدة لكن حفظ بأمر الله تعالى كما قال سبحانه وهو أحكم الحاكمين: (إن الله يدافع عن الذين آمنوا) (3) ومن عايش الإمام في كتبه وتاريخه يقطع يقيناً أنه من أكابر صالحي هذه الأمة المحمدية وأنه من أساطين العلماء العاملين وفحولهم وهذا يعرفه من له أدنى معايشة مع هذا الإمام "وكيف لا نعيش معه وقد فرض علينا احترامه وأمتعنا بحضوره وآنسنا بذكره الطيب؟! كيف لا نحب من أحب الله ورسوله؟! صلى الله عليه وسلم كيف لا نتولى من تولى ربه؟! كيف لا نقدر من قدر الشرع؟! كيف لا نجل من أجل الوحي؟.

نعم عندنا –والحمد لله- من الإدراك ما يمنعنا من التقليد الأعمى والتعاطف الأرعن والإعجاب الأحمق. عندنا تمييز بين الذكي والبليد والصادق والكاذب والقوي والضعيف والصالح والطالح فهدانا الله بفضله وكرمه إلى معرفة فضل هذا الإمام، وصلاحه وذكائه ونبوغه ونصرته للحق ودفاعه عن الشريعة ووافقنا على ذلك بشر كثير من العلماء والمؤرخين وأصحاب السير وأرباب الفنون وأصحاب التخصصات والمثقفين من المسلمين والكافرين.

دوائر المعارف تترجم عن دول بصفحتين وثلاث ولكنها تتحدث عن ابن تيمية بعشرين صفحة، المجامع العلمية تذكر المصطلحات في سطر ولكنها تتكلم عن ابن تيمية في ثلاثين سطراً ولسنا متفضلين على ابن تيمية إذا مدحناه أو ذكرنا مناقبه أو عددنا سجاياه لكنه متفضل علينا –بعد الله- بفيض علمه وغيث فهمه وبركة إنتاجه ونور آثاره" (1)؛ فلهذا كان هذا الإمام جدير باستحقاق لقب العبقرية في كل من العلوم الشرعية والعقلية فهذا ما تيسر لي جمعه من تلك العوامل التي أثرت في نبوغه وعبقريته وكما قيل:

"وليس لله بمستنكرٍ ... أن يجمع العالم في واحد" (2)

المبحث الثالث: حياة الإمام ابن تيمية

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير