تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير) (1) فالمسلم يجب أن يحكم بالقسطاس المستقيم لا بالهوى واتباع الشيطان الرجيم.

واتضح مما تقدم أن قولهم بأن الإمام ابن تيمية يحرم الطرق الصوفية إنما هو افتراء وزور والذين قالوا هذا الكلام صنفان: إما مع جهل وصلاح نية أو مع طعن وفساد طوية ويبدو أن قولهم عليه وطعنهم فيه بهذا الافتراء كثرة أقواله في الرد على غلاة المتصوفة فظن من ليس له باعٌ في فهم كلام الأئمة هذا القول.

رأي الباحث: يتضح مما مر أن تلك الأقوال إنما هي شبهات وافتراءات أراد قائلوها إلصاقها بالإمام ابن تيمية وهذا ليس بمستغرب فالصراع بين الحق والباطل منذ وجود جنس الإنسان بدءاً بقتل أحد ابني آدم عليه السلام لأخيه ومروراً بسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ثم لأتباع الأنبياء .. من العلماء والصالحين .. ومن المعروف عن سائر البشر أن النخلة لا ترمى إلا إذا أثمرت وهكذا العلماء فإنهم إن كانت لهم منزلة رفيعة حسدهم أهل الباطل بغير حق كما قال تعالى: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتينهم ملكاً عظيماً) (2) حيث إنه "قد يبتلى بعض المنتسبين إلى العلم وغيرهم بنوع من الحسد لمن هداه الله بعلم نافع أو عمل صالح وهو [أي: الحسد] خلقٌ مذمومٌ مطلقاً" (3) سواء كان في الدين أو في الدنيا وسواء لمؤمن أو لكافر فكيف لو كان لأهل العلم الذين ينشرون دعوة الله في الأرض؟! لكن من كان ذا بصيرة وهدىً إن خالف إماماً في رأي أو مسألة إنما يخالفه في نطاق اختلاف أهل العلم كمساجلات علمية تُعارض فيها الحجة بالحجة والدليل بالدليل مع ترجيح أحد القولين. إن كان أهلاً لذلك مع التبجيل للطرفين؛ لأنهما من أهل العلم أهل الاجتهاد.

المطلب الثالث: أنصاره وخصومه:

شأن الإمام ابن تيمية كشأن إخوانه من العلماء الأعلام الذين انتشر صيتهم في آفاق الدنيا وأمر بدهيّ أن من هذا مقداره وهذه حاله أن يكون له أناس يسيرون على منهاجه وآخرون يبغضونه وبين هؤلاء وهؤلاء أئمة يخالفونه في بعض المسائل مع الإكبار والإجلال له ولعلمه. ويعتبر الصنف الأول والصنف الثالث في مرتبة واحدة من الإجلال والمعرفة بقدره العلمي والإصلاحي والتربوي في الأمة وهذا الصنف هم أنصار لهذا الإمام سواء منهم من مشى على منهاجه كله أو خالفه في بعض المسائل ... أما الصنف الآخر فهم الخصوم: وهم الذين عادوه وأطلقوا ألسنتهم فيه بغير حق حتى إن بعضهم كفره لا اختلاف بينهما في مسائل وهذا خلل كبير في فهم وتفكير هؤلاء؛ فإنه لا يجوز إطلاق التكفير جزافاً لعوام الأمة الجاهلين فكيف بإطلاقه على كبار أئمة المسلمين المجتهدين؟! وقد مرت الإشارة إلى بعض أقوال للعلماء الذين أثنوا عليه من المعاصرين له والتالين لعصره وهم أكثر من أن يحصوا وسأكتفي بذكر أقوال لإمامين ممن تأخر عن عصر الإمام ابن تيمية بعشرات السنين وهما عصريان: أحدهما حنفي والآخر شافعي ولكن الإنصاف تاج على رؤوس الأتقياء. أما أحدهما فهو الإمام العيني (1) في تقريظه على كتاب الرد الوافر (2) بقوله: "الشيخ الإمام العالم العلامة تقي الدين ابن تيمية ... وهو الإمام الفاضل البارع التقي النقي الوارع الفارس في علمي الحديث والتفسير والفقه والأصلين بالتقرير والتحرير والسيف الصارم على المبتدعين والحبر القائم لأمور الدين والأمَّار بالمعروف والنَّهَّاء عن المنكر ذو همة وشجاعة وإقدام فيما يروع ويزجر، كثير الذكر والصوم والصلاة والعبادة، خشن العيش والقناعة من دون طلب الزيادة" (3) وأما الآخر فهو الإمام ابن حجر العسقلاني في تقريظه على الرد الوافر بقوله: "وشهرة إمامة الشيخ تقي الدين أشهر من الشمس وتلقيبه بشيخ الإسلام في عصره باقٍ إلى الآن على الألسنة الزكية ويستمر غداً كما كان بالأمس ولا ينكر ذلك إلا من جهل مقداره أو تجنب الإنصاف" (4) فهذان إمامان جليلان منصفان قالا في حق هذا الإمام ما قالا مع مخالفتهما له في مسائل، وحالهما معه كحال من سبقهما من الأئمة عند الإنصاف في القول يضعون ميزان الحق ويدعون ميزان الهوى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير