وأنا أدعي أن منهج التصديق المنطقي الذي شرحته الآن هو المنهج العلمي، وأن منهج الإنكار هو المنهج الخرافي؛ لأنه ينكر شيئا وكأنه يقيس فيه على نفسه هو، فنحن لم يشق أحد صدورنا، ولم تخرج منه المضغة، ولم يهيأ جسدنا لوحي أو لمعجزة، ولا لإسراء ولا لمعراج ولا لكل هذا!!.
ومن هنا حينما يأتي الصحابة رضوان الله عليهم والعلماء من بعدهم ويتفقون على أن جسد النبي صلى الله عليه وسلم طاهر في الظاهر والباطن، وينص على ذلك ابن حجر العسقلاني، وابن حجر الهيثمي، والسيوطي والقاضي عياض، والدار قطني ويصحح أحاديثه، والبيهقي والزركشي وسائر علماء الأمة يتفقون ويقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم طاهر في ظاهره وباطنه، وابن حجر يقول: "تكاثرت الأدلة على هذا الأمر، فليس شيء منه صلى الله عليه وسلم مستقذر".
لذلك نرى أن مالك بن سنان رضي الله عنه لما مص دمه الشريف من الجرح الذي جرحه بموجب بشريته .. لأن هذا كله لا يخرجه عن كونه بشرا .. كل هذه الأشياء تجعله بشرا متميزا مؤهلا لتلقي الوحي، لكنه في النهاية بشر .. بل كان يمرض ويقول فإذا وعكت كان ذلك بقدر وعكة رجلين منكم.
فالنبي صلى الله عليه وسلم طاهر في دمه، طاهر في بوله، طاهر في عرقه، وطاهر في دمعه، وطاهر في كله، والصحابة لم يكونوا يستقذرون منه شيئا أبدا .. نحن نستقذر اللعاب والعرق الإنساني .. لكننا لا نستقذر من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا.
فهؤلاء الذين لا يفهمون معنى النبوة، ولا يفهمون معنى الوحي، ولا يفهمون معنى التهيئة الجسدية، ويريدون أن ننكر وأن ننكر وأن ننكر، من أجل ما يتوهمون أنه العقل، هذا ليس عقلا لأنه لا دليل عليه من العقل ولا من النقل.
فهذا الذي ذكرته في كتابي وراءه منهج .. هذا الذي ذكرته في كتابي وراءه عقيدة عليها المسلمون؛ أبى من أبى، ورضي من رضي.
* لكن مع هذا هناك يا فضيلة المفتي من يمكن أن يعترض على ذكرك رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة كما في كتابك صـ174، وكذلك إباحتك لتقبيل السور الحديدي الذي يحيط بضريح الإمام الحسين .. فبماذا ترد عليهم؟
- نحن نأخذ أحوالنا وأدلتنا من الكتاب والسنة ومن الواقع المحسوس، فالنبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الإمام مسلم يقول: "من رآني في المنام فسيراني في اليقظة" وهو حديث صحيح ..
ثانيا: سألني أحدهم: هل هذا الحديث صحيح؟ قلت له: نعم .. حتى إنني قد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة، فما الذي يريدونه .. أن أكذب، أقول إنني لم أر النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة وقد رأيته .. لن أكذب ..
ماذا أفعل إذا كان الحديث صحيحا في مسلم، وقد رأيته أنا أيضا، وسمعت الشيخ سيد سابق رحمه الله في مسجد عمر مكرم بالقاهرة، يُسأل عن هذا الحديث فيقول: "هو حديث صحيح وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقظة".
فما هذا الذي هم فيه .. الرؤية أنا ألفت فيها كتابا اسمه "مدى حجية الرؤية" وبينت فيه أنها بشرى، وأن الرؤية حتى اليقظية كالمنامية، فهم لم يقرؤوا هذا الكتاب لأنهم أصحاب عقلية الخرافة .. ونحن لا نتبع الغوغاء، وإنما نتبع العلماء، والعلماء أقروا برؤية النبي يقظة، وقد بينت هذا في كتاب البيان ووسعت النقولات عن العلماء فيه؛ لكنهم لا يقرءون ولا يريدون أن يقرءوا.
وأنا أقول إننا الآن أمام أزمة منهجية؛ لأن مثل هؤلاء يحولون المسائل إلى قضايا، حتى يشغلوا بال الناس، ولكننا نحن نحول كل محاولة منهم إلى المنهج العلمي وإلى العقلية العلمية حتى نخرج الناس من ضيق المادة والحس إلى حقيقة الإيمان الذي إذا ما دخل القلب وخالطت بشاشته القلوب فلا يخرج منه أبدا.
* هذا ما كنت أريد أن أسأله لفضيلتكم .. فهل تعتقد أن طغيان المادة -بمعنى أنه لم يعد هناك نقاء روحي- هو السبب في التعامل بما أسميتموه عقلية الخرافة؟
- أنا أعتقد أن السبب هو أنهم قصروا العلم على الحس .. والعلم عندنا ليس قاصرا على الحس .. فهؤلاء في قرارة أنفسهم ينكرون الجن، وينكرون الملائكة، وقد ينكرون الجنة والنار، والبعض يغالي في ذلك فينكر الله عز وجل لأنه لم يره.
¥