وذلك كما هو الحال في آخر الزمان بسبب وقوع الموت والفناء على العلماء، قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه عن عبد الله بن عمرو: {إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبضه بموت العلماء، حتى إذا لم يُبْقِ عالماً؛ اتخذ الناس رؤساء جُهالاً، فسُئلوا فأفتوا بغير علم؛ فضلُّوا وأضلُّوا}.
وقريب من موت العلماء وفنائهم ما يجري عليهم من العزل والإبعاد والإقصاء عن التأثير.
.............................. .............................
العلماء والمثقفون:
المقصود بالعلماء كما قال الشوكاني في (فتح القدير) في تفسيره لآية: ((شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) [آل عمران:18]، هم علماء الكتاب والسنة، وما يتوصل به إلى معرفتها، أي أنهم المتخصصون في العلوم الشرعية.
وليس هذا التعريف سائباً؛ فيدخل فيه كل من ادعاه، كلَّا: بل إنه لا يدخل فيه إلا من شهد له علماء الشريعة أنفسهم بشهادة أو إجازة وفق الضوابط الموضوعة عندهم لذلك، تماماً كالعلوم الأخرى لا يعتبر متخصصاً فيها إلا من شهد له أصحاب التخصص.
ولا يعتبر عالم الشرع عالماً حقاً إلا بعلمه، وفي مقدمة ذلك أن تتحقق فيه خشية الله، قال تعالى: ((إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)) [فاطر:28].
وأما المثقفون فهم الذين حازوا الثقافة، وهي كما عرَفها مجمع اللغة العربية -كما في المعجم الوسيط-: العلوم والمعارف والفنون المطلوب الحذْق فيها.
فالمثقف هو الذي عنده اطلاع على علوم ومعارفِ وفنونِ عصره، وليس بالضرورة أن يكون اطلاعاً عميقاً، وقد يكون متخصصاً في أحدها أو في بعضها، وقد لا يكون، فالمثقف في عصرنا مثلاً عنده اطلاع على التاريخ وعلى الأدب وعلى الجغرافيا والفلك، وعلى عادات الناس، وعلى السياسات وعلى الأنظمة والقوانين، وعنده معرفة بأسباب الصحة وأنواع الغذاء والوقاية من الأمراض، له نصيب من المهارات الشائعة المنتشرة، يعرف كيف يأخذ وكيف يردّ وكيف يتعامل مع الآخرين، وقد يكون متخصصاً في فن من الفنون: كالطب أو الفلك أو التاريخ أو الكتابة أو الصحافة، وقد يكون متخصصاً في علم الشريعة.
ومن الضروري أن يكون العالم الشرعي مثقفاً بثقافة عصره، ولا يلزم أن يكون المثقف عالماً.
وضرورة أن يكون العالم مثقفاً ضرورة تفرضها تبعاتُ ومسئوليات العلم الشرعي نفسه؛ لأن العالم لا بد لكي يكون مرجعاً للناس من أن يُلمّ بثقافة عصره، ويعرف واقعه معرفة كافية، فهذا جزءٌ من البصيرة الواردة في قوله تعالى: ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ)) [يوسف:108].
.............................. .............................
دور العلماء والمثقفين:
دور العلماء كما ذكرنا بمجموعهم هو دور القيادة والتوجيه في المجتمع المسلم، ودور المثقفين الصالحين المتمسكين بدينهم – بما عندهم من قدرات – هو دور المعاونين للعلماء في نشر الوعي الإسلامي والالتزام بدين الله في] أواسط الحكام والمثقفين الآخرين، وفي أوساط العوام، ومع الأمم الأخرى بمثقفيها وعامتهم، ويسعى الجميع بقياده العلماء لإعادة مكانة ووحدة المسلمين وخلافتهم.
وهناك سلبيات كثيرة بسببها ضاع دور العلماء أو كاد.
وضاع دور المثقفين كذلك، ومن هذه السلبيات: خلوّ! بعض العلماء من ثقافة عصرهم فلا يحسنون التعامل مع العصر.
ومنها: تهميش الحكام للعلماء.
ومنها: تحالف القوى العلمانية في بلاد المسلمين مع القوى الكافرة الأجنبية لمحاربة العلم الشرعي والعلماء، فهم يتمنون بقاء الأمة واستغلالهم لمقدّراتها.
ومنها: تفرق كلمة العلماء أنفسهم، فإلى اليوم لم يجتمع علماء العالم الإسلامي في مؤسسة واحدة وبصورة جادة، ليكون خطابهم الديني للأمة واحداً في القضايا الكبرى، وليقودوا الأمة.
وقد نجح النصارى -على سبيل المثال- في أن تكون لهم مرجعية دينية واحدة تتمثل في مؤسسة الفاتيكان، مما جعلهم كتلة دينية، وأعطاهم ثقلاً عالمياً كبيراً، في حين يفتقد ذلك المسلمون اليوم.
¥