تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

التي أسندت إليه المبينة في أحاديث صحيحة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يموت بعد ذلك الموتة التي كتبها الله عليه ومن هنا يعلم أن تفسير التوفي بالموت قول ضعيف مرجوح، وعلى فرض صحته فالمراد بذلك التوفي الذي يكون بعد نزوله في آخر الزمان فيكون ذكره في الآية قبل الرفع من باب المقدم ومعناه التأخير. لأن الواو لا تقتضي الترتيب كما نبه عليه أهل العلم والله الموفق.

وأما من زعم أنه قد قتل أو صلب فصريح القرآن يرد قوله ويبطله وهكذا قول من قال إنه لم يرفع إلى السماء وإنما هاجر إلى كشمير وعاش بها طويلا ومات فيها بموت طبيعي وإنه لا ينزل قبل الساعة وإنما يأتي مثيله فقوله ظاهر البطلان بل هو من أعظم الفرية على الله تعالى والكذب عليه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم.

فإن المسيح عليه السلام لم ينزل إلى وقتنا هذا وسوف ينزل في مستقبل الزمان كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومما تقدم يعلم السائل وغيره أن من قال إن المسيح قتل أو صلب، أو قال إنه هاجر إلى كشمير ومات بها موتا طبيعيا ولم يرفع إلى السماء، أو قال إنه قد أتى أو سيأتي مثيله، وإنه ليس هناك مسيح ينزل من السماء فقد أعظم على الله الفرية بل هو مكذب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ومن كذب الله ورسوله فقد كفر، والواجب أن يستتاب من قال مثل هذه الأقوال، وأن توضح له الأدلة من الكتاب والسنة فإن تاب ورجع إلى الحق وإلا قتل كافرا.

والأدلة على ذلك كثيرة معلومة منها قوله سبحانه في شأن عيسى عليه السلام في سورة النساء: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [6] ومنها ما توافرت به الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عليه الصلاة والسلام ينزل في آخر الزمان حكما مقسطا فيقتل مسيح الضلالة ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام، وهي أحاديث متواترة مقطوع بصحتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أجمع علماء الإسلام على تلقيها بالقبول والإيمان بما دلت عليه وذكروها في كتب العقائد، فمن أنكرها متعلقا بأنها أخبار آحاد لا تفيد القطع، أو أولها على أن المراد بذلك تمسك الناس في آخر الزمان بأخلاق المسيح عليه السلام من الرحمة والعطف، وأخذ الناس بروح الشريعة ومقاصدها ولبابها لا بظواهرها، فقوله ظاهر البطلان مخالف لما عليه أئمة الإسلام بل هو صريح في رد النصوص الثابتة المتواترة، وجناية على الشريعة الغراء، وجرأة شنيعة على الإسلام، وأخبار المعصوم عليه الصلاة والسلام، وتحكيم للظن والهوى، وخروج عن جادة الحق والهدى، لا يقدم عليه من له قدم راسخ في علم الشريعة وإيمان صادق بمن جاء بها، وتعظيم لأحكامها ونصوصها، والقول بأن أحاديث المسيح أخبار آحاد لا تفيد القطع قول ظاهر الفساد؛ لأنها أحاديث كثيرة مخرجة في الصحاح والسنن والمسانيد متنوعة الأسانيد والطرق، متعددة المخارج قد توافرت فيها شروط التواتر، فكيف يجوز لمن له أدنى بصيرة في الشريعة أن يقول باطراحها وعدم الاعتماد عليها. ولو سلمنا أنها أخبار آحاد فليس كل أخبار الآحاد لا تفيد القطع بل الصحيح الذي عليه أهل التحقيق من أهل العلم أن أخبار الآحاد إذا تعددت طرقها واستقامت أسانيدها وسلمت من المعارض المقاوم تفيد القطع، والأحاديث في هذا الباب بهذا المعنى فإنها أحاديث مقطوع بصحتها متعددة الطرق والمخارج ليس في الباب ما يعارضها فهي مفيدة للقطع سواء قلنا إنها أخبار آحاد أو متواترة، وبذلك يعلم السائل وغيره بطلان هذه الشبهة، وانحراف قائلها عن جادة الحق والصواب، وأشنع من ذلك وأعظم في البطلان والجرأة على الله سبحانه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم قول من تأولها على غير ما دلت عليه فإنه قد جمع بين تكذيب النصوص وإبطالها، وعدم الإيمان بما دلت عليه، من نزول عيسى عليه السلام وحكمه بين الناس بالقسط، وقتله الدجال وغير ذلك مما جاء في الأحاديث، وبين نسبة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو أنصح الناس وأعلمهم بشريعة الله إلى التمويه والتلبيس وإرادة غير ما يظهر من كلامه وتدل عليه ألفاظه، وهذا غاية في الكذب والافتراء والغش للأمة الذي يجب أن يتنزه عنه مقام الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا القول يشبه قول الملاحدة الذين نسبوا الرسل عليهم الصلاة والسلام إلى التخييل والتلبيس لمصلحة الجمهور، وأنهم ما أرادوا مما قالوه الحقيقة. وقد رد عليهم أهل العلم والإيمان، وأبطلوا مقالاتهم بغاية البيان وساطع البرهان، فنعوذ بالله من زيغ القلوب والتباس الأمور ومضلات الفتن ونزغات الشيطان، ونسأله عز وجل أن يعصمنا والمسلمين من طاعة الهوى والشيطان إنه على كل شيء قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ونرجو أن يكون فيما ذكرناه مقنع للسائل وإيضاح للحق والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.

http://www.binbaz.org.sa/index.php?pg=mat&type=article&id=191

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير