تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأشاعرة في الإيمان مرجئة جهمية أجمعت كتبهم قاطبة على أن الإيمان هو التصديق القلبي.

واختلفوا في النطق بالشهادتين أيكفي عنه تصديق القلب أم لابد منه، قال صاحب الجوهرة:

وفسر الإيمان بالتصديقِ…والنطق فيه الخلف بالتحقيقِ

وقد رجح الشيخ حسن أيوب من المعاصرين أن المصدق بقلبه ناج عند الله وإن لم ينطق بهما ومال إليه البوطي.

فعلى كلامهم لا داعي لحرص النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقول عمه أبو طالب [لا إله إلا الله]؛ لأنه لا شك في تصديقه له بقلبه، وهو ومن شابهه على مذهبهم من أهل الجنة!!

هذا وقد أولوا كل آية أو حديث ورد في زيادة الإيمان ونقصانه أو وصف بعض شعبه بأنها إيمان أو من الإيمان (2).

ولهذا أطال شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله الرد عليهم بأسمائهم كالأشعري والباقلاني والجويني وشراح كتبهم وقرر أنهم على مذهب جهم بعينه.

وفي رسالتي فصل طويل عن هذه القضية فلا أطيل بها هنا.

الخامس القرآن:


(1) عن هذه الفقرة انظر: نهاية الإقدام للشهرستاني: (90)، شرح الكبرى: (304) غاية المرام للآمدي: (149)، كبرى اليقينيات: (92 - 93)، الله جل جلاله لسعيد حوى: (131) أركان الإيمان لوهبي غاوجي: (30).
(2) انظر الإنصاف: (55)، الإرشاد: (397)، غاية المرام: (311)، المواقف: (384)، الإيمان لشيخ الإسلام: أكثره رد عليهم فلا حاجة لتحديد الصفحات، تبسيط العقائد الإسلامية لحسن أيوب: (29 - 33)، كبرى اليقينيات: (196).
(1/ 21)

وقد أفردت موضوعه لأهميته القصوى، وهو نموذج بارز للمنهج الأشعري القائم على التلفيق الذي يسميه الأشاعرة المعاصرون "التوفيقية" حيث انتهج التوسط بين أهل السنة والجماعة وبين المعتزلة في كثير من الأصول فتناقض واضطرب.
فمذهب أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأنه تعالى يتكلم بكلام مسموع تسمعه الملائكة وسمعه جبريل وسمعه موسى عليه السلام ويسمعه الخلائق يوم القيامة.
ومذهب المعتزلة أنه مخلوق.
أما مذهب الأشاعرة فمن منطلق التوفيقية -التي لم يحالفها التوفيق- فرقوا بين المعنى واللفظ.
فالكلام الذي يثبتونه لله تعالى هو معنى أزلي أبدي قائم بالنفس ليس بحرف ولا صوت ولا يوصف بالخبر ولا الإنشاء.
واستدلوا بالبيت المنسوب للأخطل النصراني:
إنَّ الكلامَ لفِي الفؤادِ وإنَّما…جُعْلِ اللسانُ على الفؤادِ دليلاً
أما الكتب المنزلة ذات الترتيب والنظم والحروف -ومنها القرآن- فليست هي كلامه تعالى على الحقيقة بل هي "عبارة" عن كلام الله النفسي.
والكلام النفسي شيء واحد في ذاته لكن إذا جاء التعبير عنه بالعبرانية فهو توراة، وإن جاء بالسريانية فهو إنجيل، وإن جاء بالعربية فهو قرآن، فهذه الكتب كلها مخلوقة ووصفها بأنها كلام الله مجازٌ لأنها تعبير عنه.
واختلفوا في القرآن خاصة فقال بعضهم: إن الله خلقه أولاً في اللوح المحفوظ ثم أنزله في صحائف إلى سماء الدنيا، فكان جبريل يقرأ هذا الكلام المخلوق ويبلغه لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال آخرون: إن الله أفهم جبريل كلامه النفسي، وأفهمه جبريل لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالنزول نزول إعلام وإفهام لا نزول حركة وانتقال [لأنهم ينكرون علو الله] ثم اختلفوا في الذي عبر عن الكلام النفسي بهذا اللفظ والنظم العربي من هو؟
فقال بعضهم: هو جبريل، وقال بعضهم: بل هو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.!!
(1/ 22)

واستدلوا بمثل قوله تعالى: ((إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ)) [الحاقة:40] في سورتي الحاقة والتكوير، حيث أضافه في الأولى إلى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي الأخرى إلى جبريل بأن اللفظ لأحد الرسولين "جبريل أو محمد" وقد صرح الباقلاني بالأول وتابعه الجويني.
قال شَيْخ الإِسْلامِ: "وفي إضافته تعالى إلى الرسول تارة وإلى هذا تارة دليل على أنه إضافة بلاغ وأداء لا إضافة إحداث لشيء منه أو إنشاء كما يقول بعض المبتدعة الأشعرية من أن حروفه ابتداء جبريل أو محمد مضاهاة منهم في نصف قولهم لمن قال: إنه قول البشر من مشركي العرب" (1).
وعلى القول بأن القرآن الذي نقرؤه في المصاحف مخلوق سار الأشاعرة المعاصرون وصرحوا، فكشفوا بذلك ما أراد شارح الجوهرة أن يستره حين قال: "يمتنع أن يقال إن القرآن مخلوق إلا في مقام التعليم" (2).
السادس القدر:
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير