تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وضرورته لمنهج عقيدتهم أصلها أنه لما تعارضت عندهم الأصول العقلية التي قرروها بعيداً عن الشرع مع النصوص الشرعية؛ وقعوا في مأزق رد الكل أو أخذ الكل فوجدوا في التأويل مهرباً عقلياً ومخرجاً من التعارض الذي اختلقته أوهامهم، ولهذا قالوا: إننا مضطرون للتأويل وإلا أوقعنا القرآن في التناقض. وإن الخلف لم يؤولوا عن هوىً ومكابرة وإنما عن حاجة واضطرار، فأي تناقض في كتاب الله يا مسلمون نضطر معه إلى رد بعضه أو الاعتراف للأعداء بتناقضه؟!

وقد اعترف الصابوني بأن في مذهب الأشاعرة "تأويلات غريبة" فما المعيار الذي عرف به الغريب من غير الغريب؟

وهنا لا بد من زيادة التأكيد على أن مذهب السلف لا تأويل فيه لنص من النصوص الشرعية إطلاقاً، ولا يوجد نص واحد -لا في الصفات ولا غيرها- اضطر السلف إلى تأويله ولله الحمد.

وكل الآيات والأحاديث التي ذكرها الصابوني وغيره تحمل في نفسها ما يدل على المعنى الصحيح الذي فهمه السلف منها، والذي يدل على تنزيه الله تعالى دون أدنى حاجة إلى التأويل.

أما التأويل في كلام السلف فله معنيان:

[1] التفسير: كما تجد في تفسير الطبري ونحوه "القول في تأويل هذه الآية" أي: تفسيرها.

[2] الحقيقة التي يصير إليها الشيء: كما في قوله تعالى: ((هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ)) [يوسف:100] أي تحقيقها، وقوله: ((يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ)) [الأعراف:53] أي: تحقيقه ووقوعه.

أما التأول فله مفهوم آخر: راجع الحاشية (1).

وإن تعجب فاعجب لهذه اللفظة النابية التي يستعملها الأشاعرة مع النصوص وهي: أنها [توهم] التشبيه ولهذا وجب تأويلها، فهل في كتاب الله إيهام أم أن العقول الكاسدة تتوهم والعقيدة ليست مجال توهم!!

فالعيب ليس في ظواهر النصوص -عياذاً بالله- ولكنه في الأفهام بل الأوهام السقيمة.


(1) حاشية (1) (ص:31).
(1/ 28)

أما دعوى أن الإمام أحمد استثنى ثلاثة أحاديث وقال: لابد من تأويلها، فهي فرية عليه افتراها الغزالي في [الإحياء، وفيصل التفرقة] ونفاها شَيْخ الإِسْلامِ سنداً ومتناً.
وحسب الأشاعرة في باب التأويل ما فتحوه على الإسلام من شرور بسببه فإنهم لما أولوا ما أولوا تبعتهم الباطنية واحتجت عليهم في تأويل الحلال والحرام والصلاة والصوم والحج والحشر والحساب، وما من حجة يحتج بها الأشاعرة عليهم في الأحكام والآخرة إلا احتج الباطنية عليهم بمثلها أو أقوى منها من واقع تأويلهم للصفات.
وإلا فلماذا يكون تأويل الأشاعرة لعلو الله -الذي تقطع به العقول والفطر والشرائع- تنزيهاً وتوحيداً وتأويل الباطنية للبعث والحشر كفراً وردةً؟! (1).
أليس كل منهما رداً لظواهر النصوص مع أن نصوص العلو أكثر وأشهر من نصوص الحشر الجسماني؟.
ولماذا يكفّر الأشاعرةُ الباطنيةَ ثم يشاركونهم في أصل من أعظم أصولهم؟
الثاني عشر: السمعيات:
يقسم الأشاعرة أصول العقيدة بحسب مصدر التلقي إلى ثلاثة أقسام:
أ- قسم مصدره العقل وحده وهو معظم الأبواب ومنه باب الصفات ولهذا
يسمون الصفات السبع "عقلية" وهذا القسم هو "ما يحكم العقل بوجوبه"، دون توقف على الوحي عندهم.
2 - قسم مصدره العقل والنقل معاً كالرؤية -على خلاف بينهم فيها- وهذا القسم هو "ما يحكم العقل بجوازه" استقلالاً أو بمعاضدة الوحي.
3 - قسم مصدره النقل وحده وهو السمعيات أي المغيبات من أمور الآخرة كعذاب القبر والصراط والميزان وهو عندهم: ما لا يحكم العقل باستحالته لكن لو لم يرد به الوحي لم يستطع العقل إدراكه منفرداً، ويدخلون فيه التحسين والتقبيح والتحليل والتحريم.
والحاصل أنهم في صفات الله جعلوا العقل حاكماً، وفي إثبات الآخرة جعلوا العقل عاطلاً وفي الرؤية جعلوه مساوياً.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير