أولها: الأحاديث بمجموعها متواترة، لكن هذا الحديث متواتر بنفسه، قال الإمام الذهبي في كتابه (العلو للعلي الغفار) صـ16: من الأحاديث المتواترة في علو الله وفوقيته حديث معاوية بن الحكم السُّلمي، وحديثه ثابت في صحيح مسلم وسنن أبي داود والنسائي – وهو حديث متواتر – وخلاصة الحديث: يقول معاوية رضي الله عنه [كانت لي جارية ترعى غنماً لي فجاءت في يوم من الأيام وقد أخذ الذئب شاة منها، يقول: وأنا امرؤ من بني آدم () – آسف كما يأسفون فحزنت على هذه الشاة، وصككت الأمة ثم ندمت فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته بالقصة وقلت له: ألا أعتقها، (وفي رواية: إن عليّ كفارة ألا أعتقها؟) فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ادعها لي، فجاءت فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أين الله؟ فقالت في السماء، فقال: من أنا؟ قالت: رسول الله، فقال اعتقها فإنها مؤمنة].
قال الذهبي والحديث فيه أمران:
1 - جواز السؤال عن الله بأين ()، فهو شرعي سأل بهذا نبينا صلى الله عليه وسلم.
2 - والجواب عن هذا السؤال، أن الله في السماء كما تواترت الأحاديث بذلك.
ولفظ السماء تقدم معناها إن كان المراد العلو فـ (في) ظرفية على حقيقتها أي في العلو، وإن كان المراد من السماء الأجرام السبعة فـ (في) بمعنى على أي على السماء وهذا الحديث فيه رد على المؤولة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل عن سلطانه وقهره جل جلاله فلم يقل أين سلطان الله؟.
ثانيها: حديث نزول ربنا الجليل وهو حديث قال عنه الإمام الذهبي: هو حديث متواتر أقطع بذلك وأُسأل أمام الله، وقد رواه الشيخان البخاري ومسلم – وأبو داود والترمذي وابن ماجه ورواه الإمام أحمد ومالك في الموطأ الدارمي وغيرهم من أئمة الحديث ولفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له]. فربنا يتصف بأنه ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، ولفظ النزول في اللغة لا يكون إلا من أعلى إلى أسفل، فهو ينزل بكيفية تليق بجلاله من غير تشبيه ولا تعطيل ولا يلزم من نزوله أن تكون السموات فوقه، فهو في حال نزوله مستو ٍ على عرشه، ولا تقل كيف؟ فهذا السؤال ارفعه ولا تسأل به، هذا ولله المثل الأعلى – كالإنسان عندما ينام لا يسمع ولا يجيب مع أن روحه فيه فمع أن روحه معه إلا أنه كمن رفعت روحه.
ثالثها: حديث رواه الإمام الترمذي وحسنه، وابن خزيمة في كتاب التوحيد والبيهقي في الأسماء والصفات عن عمران بن حصين رضي الله عنه: [أن والده حصين لما جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: يا رسول الله: إنك أشأم رجل على قومه فرقت جماعتنا وعبت آلهتنا وسفهت أحلامنا وكفرت من مضى من آبائنا فقال النبي عليه الصلاة والسلام: يا حصين اجلس، فجلس، فقال له: كم إلهاً تعبد؟ فقال له: سبعة، ستة في الأرض وواحداً في السماء ()، فقال: من الذي تُعدُّه لرغبتك ورهبتك؟ فقال: الذي في السماء، فقال: اترك الستة واعبد الذي في السماء وأنا أعلمك كلمتين إذا أسلمت، فأسلم فعلمه أن يقول: اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي]. فكرروا هذا الدعاء إخوتي الكرام.
3 - وأما الإجماع الصحيح:
والإجماع على هذه المسألة ليس في هذه الأمة بل هو إجماع بين المِليين أي الموحدين منذ آدم إلى يوم القيامة، أجمعوا على هذا وأن الله على عرشه فوق سماواته.
قال الشيخ عبد القادر الجيلاني – كما في الذيل على طبقات الحنابلة – (1/ 296): "العلو لله جل وعلا مذكور في كل كتاب أنزل على كل نبي أرسل" أي ذكر الله جل وعلا هذا في الكتب المنزلة على الرسل التي أرسلهم عليهم الصلاة والسلام، فهو متفق عليه في الكتب، كل رسول يشير بهذا إلى قومه.
وثبت عن الإمام الأوزاعي أنه كان يقول: "كنا نقول والتابعون متوافرون الله فوق عرشه على سمواته بائن من خلقه" أي منفصل عن خلقه ليس حالاً فيهم ولا حالون فيه.
ولذلك قيل للإمام أبي حنيفة: ما تقول فيمن لم يعرف أين الله؟ فقال: إنه كافر، فقيل له: ما تقول فيمن قال إن الله على العرش لكن لا أعلم أين العرش؟ فقال: هو كافر.
¥