وهذا بخلاف من فعل العبادة لله وحده عند القبر ظناً أنه أدعى للقبول كالذي يدعو الله عند القبر أو يصلي لله عند القبر أو يذبح لله عند القبر أو يتصدق لله عند القبر او نحو ذلك من العبادات فهذا من الأمور المنكرة المبتدعة المنهي عنها؛ لأنها تكون سبباً للشرك وإن لم تكن شركاً بذاتها.
وقد بوب الإمام محمد بن عبد الوهاب _ رحمه الله _ في كتاب التوحيد باباً فقال: (باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده) ثم ذكر حديث أم سلمة رضي الله عنها في الصحيحين أنها ذكرت لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور فقال:" أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله "
ثم ساق حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين ـ قالت: " لما نزل برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها فقال ـ وهو كذلك ـ: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا ولولا ذلك أبرز قبره غير أنه خشى أن يتخذ مسجدا "
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: (قوله: يحذر ما صنعوا الظاهر أن هذا كلام عائشة رضي الله عنها لأنها فهمت من قول النبي صلى الله عليه وسلم ذلك تحذير أمته من هذا الصنيع الذي كانت تفعله اليهود والنصارى في قبور أنبيائهم فإنه من الغلو في الأنبياء ومن أعظم الوسائل إلى الشرك ومن غربة الإسلام أن هذا الذي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعليه ـ تحذيرا لأمته أن يفعلوه معه صلى الله عليه وسلم ومع الصالحين من أمته ـ قد فعله الخلق الكثير من متأخري هذه الأمة واعتقدوه قربة من القربات وهو من أعظم السيئات والمنكرات وما شعروا أن ذلك محادة لله ورسوله
قال القرطبي في معنى الحديث: وكل ذلك لقطع الذريعة المؤدية إلى عبادة من فيها كما كان السبب في عبادة الأصنام .. ) فتح المجيد (1/ 389)
وهذا كلام لابن القيم رحمه الله يبين مدى ضلال هؤلاء القبوريين ومخالفتهم للتوحيد أو كماله يقول رحمه الله: (فمن مفاسد اتخاذها أعيادا: الصلاة إليها والطواف بها وتقبيلها واستلامها وتعفير الخدود على ترابها وعبادة أصحابها والاستغاثة بهم وسؤالهم النصر والرزق والعافية وقضاء الديون وتفريج الكربات وإغاثة اللهفات وغير ذلك من أنواع الطلبات التي كان عباد الأوثان يسألونها أوثانهم
فلو رأيت غلاة المتخذين لها عيدا وقد نزلوا عن الأكوار والدواب إذا رأوها من مكان بعيد فوضعوا لها الجباه وقبلوا الأرض وكشفوا الرءوس وارتفعت أصواتهم بالضجيج وتبا كوا حتى تسمع لهم النشيج ورأوا أنهم قد أربوا في الربح على الحجيج فاستغاثوا بمن لا يبدي ولا يعيد ونادوا ولكن من مكان بعيد حتى إذا دنوا منها صلوا عند القبر ركعتين ورأوا أنهم قد أحرزوا من الأجر ولا أجر من صلى إلى القبلتين فتراهم حول القبر ركعا سجدا يبتغون فضلامن الميت ورضوانا وقد ملئوا أكفهم خيبة وخسرانا فلغير الله بل للشيطان ما يراق هناك من العبرات ويرتفع من الأصوات ويطلب من الميت من الحاجات ويسأل من تفريج الكربات وإغناء ذوي الفاقات ومعافاة أولى العاهات والبليات ثم انثنوا بعد ذلك حول القبر طائفين تشبيها له بالبيت الحرام الذي جعله الله مباركا وهدى للعالمين ثم أخذوا في التقبيل والاستلام أرأيت الحجر الأسود وما يفعل به وفد البيت الحرام ثم عفروا لديه تلك الجباه والخدود التي يعلم الله أنها لم تعفر كذلك بين يديه في السجود ثم كملوا مناسك حج القبر بالتقصير هناك والحلاق واستمتعوا بخلاقهم من ذلك الوثن إذ لم يكن لهم عند الله من خلاق وقربوا لذلك الوثن القرابين وكانت صلاتهم ونسكهم وقربانهم لغير الله رب العالمين فلو رأيتهم يهنىء بعضهم بعضا ويقول: أجزل الله لنا ولكم أجرا وافرا وحظا فإذا رجعوا سألهم غلاة المتخلفين أن يبيع أحدهم ثواب حجة القبر بحج المتخلف إلى البيت الحرام فيقول: لا ولو بحجك كل عام
هذا ولم نتجاوز فيما حكيناه عنهم ولا استقصينا جميع بدعهم وضلالهم: إذ هي فوق ما يخطر بالبال أو يدور في الخيال وهذا كان مبدأ عبادة الأصنام في قوم نوح كما تقدم وكل من شم أدنى رائحة من العلم والفقه يعلم أن من أهم الأمور سد الذريعة إلى هذا المحذور .. ) إغاثة اللهفان (1/ 194)
ـ[المصلحي]ــــــــ[23 - 06 - 07, 11:53 ص]ـ
جزاك الله خيرا يا ابا حازم على هذه النقول الطيبة.
اخي من فضلك:
حبذا لو جواب مختصر من جنابك على السؤال اعلاه.
ـ[أبو حازم الكاتب]ــــــــ[23 - 06 - 07, 05:50 م]ـ
الجواب باختصار أخي الكريم هو:
أنه إن اعتقد أن التميمة مجرد سبب ولا تؤثر بذاتها فهو شرك أصغر للحديث؛ لأنه وارد في الأسباب وفي بيان الشرك الأصغر، وإن اعتقد أنها تؤثر بذاتها فهو شرك أكبر؛ لأنه اعتقد خالقاً مع الله سبحانه وتعالى.
وهذا إذا كانت التميمة من غير القرآن وأسماء الله وصفاته أما إذا كانت من القرآن ففيها قولان مشهوران عند السلف والأكثر على منعه لثلاثة أمور:
الأول: عموم النهى ولا مخصص للعموم.
الثانى: سد الذريعة فإنه يفضى إلى تعليق ما ليس كذلك.
الثالث: أنه إذا علق فلابد أن يمتهنه المتعلق بحمله معه فى حال قضاء الحاجة والاستنجاء ونحو ذلك.
¥