وتتفق روايات ألد المؤرخين عداوة للإسلام على أنه لو لم يقع الفتح الإسلامي لأبيد الأقباط بإبادة كنيستهم وفتنتهم عن دينهم، وقد ورد في نص عهد عمرو بن العاص الى أهل مصر: "هذا ما أعطى عمرو بن العاص الى أهل مصر من الأمان لأنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم، لا ينتقص شيء من ذلك ولا يساكنهم أحد من غير ملتهم". وتم النص دائما في العلاقة بين الولاة المسلمين والأقباط على رعاية أهل الذمة والوصية بأهل الكتاب عملا بالسنة والعناية بمصالح الأقباط وغيرهم من أهل الأديان. وحرص الولاة المسلمون على تقدير الرئاسة الدينية القبطية واحترامها ومخاطبتها بألقاب الشرف والتكريم.
و قد كان الأقباط هم عامة أهل مصر عندما فتحها المسلمون بقيادة عمرو بن العاص رضي الله عنه في عهد الخليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إلاَّ أن حسن معاملة الفاتحين المسلمين نقل وصف الأغلبية إلى السكان المسلمين، و ذلك بتحول الأقباط تدريجيا إلى الاسلام.
وهذا يفسر التحول البطئ لأبناء هذه الأغلبية القبطية من المسيحيين إلى الإسلام، والذى استغرق حوالى أربعة قرون فالعرب المسلمون الفاتحون لم يمارسوا أى ضغوط لتحويل الأقباط إلى الإسلام، كما أن الأقباط بدورهم لم يلمسوا أي تضيق على حرياتهم الدينية اعتقادا وممارسة.
النصرانية في وقت بعثة النبي عليه الصلاة و السلام:كانت النصرانية في وقت بعثة النبي عليه الصلاة و السلام قد أطبقت على التحريف، و أجمعت على التثليث أو القول بالطبيعتين كما حكاه القرآن عنهم:يقول الله عز و جل عن تلبس النصارى بالتثليث:
قال الله تعالى {لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة وما من اله الا اله واحد وان لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب اليم} سورة المائدة - آية 73
و قال تعالى {يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله الا الحق انما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته القاها الى مريم وروح منه فامنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم انما الله اله واحد سبحانه ان يكون له ولد له ما في السماوات وما في الارض وكفى بالله وكيلا} سورة النساء - آية 171.
و قال عز و جل {واذ قال الله يا عيسى ابن مريم اانت قلت للناس اتخذوني وامي الهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي ان اقول ما ليس لي بحق ان كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك انك انت علام الغيوب} سورة المائدة - آية 116.
و قال تعالى: {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بافواههم يضاهؤون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله انى يؤفكون} سورة التوبة - سورة 9 - آية 30
إلاَّ ما كان من بقية الأريوسيين "الموحدين"، إذ يبدو أن حركة الأريوسيين كانت متغلغلة في كل من الشام و مصر في زمن بعثة النبي صلى الله عليه و سلم كما تدل عليه قصة سلمان الفارسي رضي الله عنه، الني رواها ابن اسحاق و غيره يقول سلمان رضي الله عنه:
(كنت رجلا من أهل أصبهان, وكان أبي دهقان أرضه. وكنت من أحب عباد الله اليه، وقد اجتهدت في المجوسية, حتى كنت قاطن النار التي نوقدها, ولا نتركها تخبو، وكان لأبي ضيعة, أرسلني اليها يوما, فخرجت, فمررت بكنيسة للنصارى, فسمعتهم يصلون, فدخلت عليهم أنظر ما يصنعون, فأعجبني ما رأيت من صلاتهم, وقلت لنفسي هذا خير من ديننا الذي نحن عليه, فما برحتهم حتى غابت الشمس, ولا ذهبت الى ضيعة أبي, ولا رجعت اليه حتى بعث في أثري، وسألت النصارى حين أعجبني أمرهم و صلاتهم عن أصل دينهم, فقالوا في الشام.، وقلت لأبي حين عدت اليه: اني مررت على قوم يصلون في كنيسة لهم فأعجبتني صلاتهم, ورأيت أن دينهم خير من ديننا، فحاورني وحاورته .. ثم جعل في رجلي حديدا وحبسني. وأرسلت الى النصارى أخبرهم أني دخلت في دينهم وسألتهم اذا قدم عليهم ركب من الشام, أن يخبروني قبل عودتهم اليها لأرحل الى الشام معهم, وقد فعلوا, فحطمت الحديد وخرجت, وانطلقت معهم الى الشام، وهناك سألت عن عالمهم, فقيل لي هو الأسقف, صاحب الكنيسة, فأتيته وأخبرته خبري, فأقمت معه أخدم, وأصلي وأتعلم. وكان هذا الأسقف رجل سوء في دينه, اذ كان يجمع الصدقات من الانس ليوزعها, ثم يكتنزها لنفسه، ثم مات، وجاءوا بآخر فجعلوه مكانه,
¥