و قد كان استشراء الفساد الذي كانت تمر به الكنيسة الكاثوليكية في القرن السادس عشر الميلادي من أقوى العوامل التي ساعدت على تهيئة الأوضاع المناسبة لقيام حركة "إصلاحية" دينية، و التي أطلقها أحد القس الألماني اليهودي الأصل (مارتن لوثر) في عام 1517م، حيث قام في هذه السنة بتعليق خمس وتسعين رسالة دينية على جدار الكنيسة في ألمانيا، وأرسل نسخاً من هذه الرسائل التي يحتج فيها على فساد الكنيسة إلى باقي الكنائس الأخرى.
وفي سنة 1520م أرسل مارتن لوثر خطاباً حاداً إلى البابا (ليو العاشر) جاء فيه:
(إنك ترعى ما يسمى بهيئة الكهنوت الرومانية التي لا تستطيع أنت ولا غيرك أن تنكر أنها أشد فساداً من بابل وسدوم، وقد أظهرتُ احتقاري، وانتابني الغضب لأن الشعب المسيحي يخدع تحت ستار اسمك، واسم الكنيسة المسيحية، لهذا قاومت، وسأظل أقاوم ما وجد فيّ عرق ينبض بروح الإيمانى).
لقد كانت جميع أعمال "لوثر" إنما تشكل إعلاناً تاريخياً عن بدء الحركة الإصلاحية البروتستانتية التي أحدثت انشطاراً في الكنيسة الكاثوليكية التي يتزعمها بابا الفاتيكان في روما، و مهدت لاختراق يهودي سافر للنصرانية الكاثوليكية، و التي أدخل بموجبها (مارتن لوثر) «إصلاحات» جذرية على الديانة النصرانية،؛ حيث جعل مارتن لوثر كتاب التوراة مرجعاً حرفياً للنصارى، فأصبح كل ما يدين به اليهود من النصوص الحرفية للتوراة يدين به النصارى الذين أطلق عليهم بعد ذلك التحريف اسم: (البروتستانت)، و بذلك أصبحت النصرانية المخترقة قريبة جداً من الديانة اليهودية، ليأتي من بعده (جون كالفن) الذي صاغ الفكر البروتستانتي ليصبح متمرداً على الفكر الكاثوليكي، واستطاع به أن يسحب البساط من تحت أقدام الكاثوليك بدعوى التميز البروتستانتي عرقياً ودينياً، وتمكن من نقل معتقد (الشعب المختار) بشكله التوراتي الحرفي إلى الديانة البروتستانتية الجديدة، حتى أصبحت الشعوب التي تدين بهذا المذهب وفي طليعتهم الإنجليز يستشعرون أنهم وحدهم يمثلون الامتداد الطبيعي لـ (شعب الله المختار) المسؤول وحده عن قيادة العالم والوصاية عليه باسم الأنجلوساكسونية البروتستانتية.
و قد انطوى هذا المذهب الثوري الجديد على طمس واضح للركائزالتي قامت عليها الكنيسة البابوية، مثل:
1ـ عدد أسفار العهد القديم عند البروتستانت ستة وستون سفراً وهي الأسفار القانونية، أما باقي الأسفار وعددها أربعة عشر، فتسميها الأبوكريفيا أي غير الصحيحة فلا تعترف بها.
2ـ كما لا تؤمن الكنائس البروتستانتية بعصمة البابا أو رجال الدين، وتهاجم بيع صكوك الغفران حيث ترى أن الخلاص والفوز في الآخرة لا يكون إلا برحمة الله وكرمه وفي الدنيا في الالتزام بالفرائض والكرازة – التبشير بالإنجيل.
3ـ منع البروتستانت اتخاذ الصور والتماثيل في الكنائس والسجود لها، معتقدين أن ذلك منهي عنه في التوراة.
4ـ إلاَّ أن أخطر ما في المذهب البروتستانتي هوالخضوع الكامل لنصوص الكتاب المقدس وحده، حيث إن الكتاب المقدس بعهديه القديم و الجديد،يقول لوثر: "يجب أن يكون الكتاب المقدس مرجعنا الأخير للعقيدة أو أداء الشعائر".
مما يجعل من النصرانية البروتستانتية مجرد تابعة لنصوص التوراة، و بالتالي للدين اليهودي، و من ثمَّ للحركة الصهيونية.
5 ـ تؤمن أكثر الكنائس البروتستانتية "الإنجيلية – الصهيونية " أن شرط المجيء الثاني للمسيح هو إقامة دولة إسرائيل في فلسطين.
ـ وفي عام 1523م أصدر مارتن لوثر كتاباً بعنوان (عيسى ولد يهودياً) قال فيه: (إن الروح القدس أنزل كل أسفار الكتاب المقدس عن طريق اليهود وحدهم، إن اليهود هم أبناء الله، ونحن الضيوف الغرباء، ولذلك فإن علينا أن نرضى بأن نكون كالكلاب التي تأكل ما يسقط من فتات مائدة أسيادها)
كذلك دعا مارتن لوثر إلى تفضيل الطقوس العبرية في العبادة على تعقيدات الطقوس الكاثوليكية، كما دعا إلى دراسة العبرية على أنها (كلام الله في الناس) ثم قام بترجمة التوراة إلى اللغة الألمانية.
كل ما سبق دفع الكنيسة الكاثوليكية إلى إصدار قرار الحرمان ضد مارتن لوثر، متهمة إياه أنه من اليهود الذين تنصروا من أجل هدم الكنيسة.
¥