تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[من مقدمة فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: سفر الحوالي لكتاب قدم العالم وابن تيمية.]

ـ[أبو الأشبال عبدالجبار]ــــــــ[11 - 07 - 07, 10:08 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

[من مقدمة فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: سفر الحوالي لكتاب قدم العالم وابن تيمية.]

الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، والصلاة والسلام على معلم البشرية كل خير وهدى نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

فإن الله تعالى برحمته التي وسعت كل شيء قد يسر القرآن للذكر، وأغنى بالوحي عن وساوس القلوب وأوهام الفكر، وجعل هذه الأمة أكمل الأمم عقولاً وأعمقها إيماناً، فهم الآخرون زماناً السابقون فضلاً وإحساناً، أمة أمية لم تكن تحسب ولا تكتب ولكنها أصح الأمم حساباً (1) وأحفظها كتاباً، تنال المطالب العالية بالوسائل العادية بل تمشي رويداً وتجيء في الأول، عجائزها في البادية تفقه من حقائق الوجود ما تقاصرت عنه أكابر العقول في الفلسفات كلها، الآيات الجلية في متناول يديها بلا عناء والبراهين العقلية تجري على ألسنتها بلا كلفة، منطقها في نفس لغتها، وتفكيرها بنفس قلوبها، فلا محادة بين القلب والفكر ولا مناكرة بين العقل والنقل.

هذا ما وهبها الله واختصها به، ولكن سبق القلم باقتفائها آثار من سبقها من الأمم فأبت طائفة منها إلا عبور المضايق الدقيقة وركوب اللجج العميقة بلا

_______

(1) يعرف هذا من يقارن اضطراب الأمم النصرانية في أعيادها ومواسم عبادتها وثبات هذه الأمة وقل اختلافها ورجوعه غالباً إلى اختلاف المطالع وهذا ثابت حساً وشرعاً، وبهذه المناسبة نقول ليت الساعين لإزالة اختلاف الأمة في هذه الفروع العملية القابلة للاختلاف يصرفونه إلى إزالة الاختلاف في العقيدة والولاء وإلى الدعوة إلى الاجتماع على تحكيم الكتاب والسنة.

ـــــــــــــ

دليل معصوم ولا اهتداء بالنجوم، وإنما اعتمدوا فيما يزعمون على عقولهم المجردة، فتاهوا وضاعوا ولم يجدوا هناك إلا حطام من تاه قبلهم وضاع من مغامري الأمم المحرومة من نور الوحي، وخيرهم من عاد إلى الشاطىء كسير الفؤاد حسير النظر ورضي بالتسول مع العجائز المعدمات على أبواب أهل اليقين والثبات.

إن هؤلاء – وبدون إتهام لمقاصدهم وتنقيص لعقولهم – لم يفقهوا أن النظر العقلي كالنظر البصري له حدوده التي لا يتجاوزها مهما تطورت وسائله واتسعت آفاقه.

الا ترى أن أكبر مرصد فلكي في العالم ينقلب خاسئاً وهو حسير إذا تعمق في أبعاد الكون، كما كان ينقلب طرف العربي قبل أربعة عشر قرناً حين يقلبه في السماء مجرداً من كل آلة.

ألا ترى أن حقائق الرياضيات التي تقطع الأمل في اجتياز حدود العقل البشري لم تتغير في جوهرها منذ " أرخميدس " حتى الآن، وإن تغيرت الوسائل وتطورت النظريات، والفرق أن " أرخميدس " كان يعد الأشياء بعدد ذرات الرمل أما العلم الحديث فيقيسها بذرات الكون بل بمحتوى الذرة، ويستخدم أرقاماً خيالية لا يمكن تسميتها ولا كتابتها فيقول مثلاً: إنك لو افترضت رقماً هو عبارة عن واحد وعلى يمينه من الأصفار ما لو جعلت الأرض ورقة واحدة لوصل خط الأصفار إلى نهايتها بل لو ضاعفت الورقة مليارات الأضعاف ثم قارنت هذا الرقم باللانهاية لكانت نسبته هو والرقم (واحد) سواء (1).

ويقول هذا العلم: إن الكون نشأ عن الانفجار العظيم وظل يتمدد ولا يزال، والسؤال: أين يتمدد بل أين وقع الانفجار؟ إن العقل البشري لا يستطيع أن يتخيل الانفجار والتمدد إلا في مكان وزمان، ولكن العلم يقول: إن هذا التخيل خطأ قطعاً! فالزمان والمكان إنما وجدا داخل العالم لا قبله ولا خارجه، وإذن فلا جواب على هذا السؤال أبداً!.

وهكذا فالزمان والمكان وكل ما تدركه حواسنا من الموجودات هي من النسبية بحيث لا يحق لنا ادعاء تصور كنه حقائقها فضلاً عن التحدث عنها وصدق الله تعالى:) وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً (وصدق جل شأنه حين قال:) ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم (وإذا ثبت هذا في المحسوسات فما بالك بما لا يدخل تحت الحواس، بل لا يمكن أن يدخل تحت خيالنا المحدود، فأي سخافة وحماقة ترتكبها أمة الوحي المعصوم حين ترجع في


(1) وقد ضرب شيخ الإسلام لذلك مثلاً بأنه لو فرض وجود مدائن أضعاف مدائن الأرض في كل مدينة من الخردل ما يملؤها وقدر أنه كلما مضت ألف ألف سنة فنيت خردلة في الخردل كله والزل لم ينته ولو قدر ذلك أضعافاً لا تنتهي. وهكذا يتضح أن استدلال المتكلمين ببرهان التطبيق فاسد فلا فرق بين عالم واحد أو حادث واحد وبين ألوف المليارات من العوالم أو الحوادث ما دام أحد طرفي السلسلة لا نهائياً. وإذا قصرت عقولنا عن تصور عدد ما من العوالم أو الحوادث مهما كبر فنحن عن تصور ما لا نهاية له أعجز وبالتالي يكون نفي وجود هذه العوالم غير المتناهية إنما هو هروب من الإقرار بعجز عقولنا والفرض الصحيح هو أن نقر بأن كلا طرفي السلسلة لا نهائي!!
(2) انظر الكون، ص19 تأليف كارل ساغان، عالم المعرفة الكويت رقم 178. .
ـــــــــــ

هذه الحقائق إلى عقل طاليس وأرسطو وأفلاطون وغيرهم من خراصي الأزمان الغابرة، في حين أن علماء الكون من سلالة هؤلاء وجنسهم لا يعتدون لهم برأي بل لا يذكرون آراءهم إلا على سبيل التمثيل للسذاجة العلمية والبدائية في التفكير، ولا يخدعنك وصف كبار المتكلمين لهم بأنهم جهابذة الحكماء أو هرامسة الدهور، فما أدخل الأمة في جحر الضب إلا هؤلاء وأشباههم.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير