تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ماذا وراء العزمية؟

قلنا إن العزمية من الصوفية، لهم ما للصوفية من بدع وخرافات، وعليهم ما على الصوفية من افتراءات وانحرافات وحديثنا إنما هو عن الصوفية المعاصرة التي تحمل كل هذا الدخن والدجل والكذب، وليس على تلك الصوفية الأولى، والتصوف الأول الذي كان يردّ إلى الله ورسوله كل توجه وحركة، وكان يتمسك بما عليه أهل السنة الجماعة، حتى إن واحدًا من هؤلاء السلف يعلن في إصرار: -

أنا حنبلي ما حيين وإن أمت فوصيتي للناس أن يتحنبلوا

وهو عبد الله الأنصاري الهروي، صاحب كتاب " ذم الكلام "، الذي توفي سنة481 هـ، وكان قد اختار التصوف، لكن على طريقة السلف، فحاول المتصوفة انتزاع ما يؤيد حلولهم واتحادهم من كتاباته، ولكن الثقات من العلماء برؤوه من ذلك، مثل الذهبي وابن القيم وغيرهم، وعدا عن الهروي فقد اختار السلف لفظة الزهد - كما عند أحمد بن حنبل وغيره - لأنه الطريق الصحيح، وتركوا التصوف؛ لأن الزهد هو النتيجة المتحصلة للتصوف - إذا استقام - فلماذا يتركوا هذه النتيجة لوسيلة قد تصل بهم - إن استقامت لهم - وقد لا تصل؟!! وهذا هو الغالب - إن لم تستقم -، ومن هنا نفهم تشدد ابن تيمية رحمه الله في تصحيح النظريات الخاطئة أيًّا كان قائلوها، في كل ما يمسّ عقيدة التوحيد التي انحرف بها بعض الصوفية، ولا سيما في حديثهم عن مقام الفناء الذي يؤدي بالسالك فيه إما إلى الوقوع فيما يشبه عقيدة الحلول، أو ادعاء زوال التكليف عنه، كما حدث لأبي يزيد البسطامي، حيث كان يردد أحيانًا " أنا الحق، سبحاني سبحاني وما في الجبة إلا الله "، ومن هنا أيضاً نفهم مكانة تصوف عبد القادر الجيلاني الممتازة عند ابن تيمية؛ فقد كان الجيلاني متمسكاً في مسائل الصفات والقدر ونحوهما بالسنة، مبالغًا في الردّ على من خالفها، وكان كذلك معظمًا للأمر والنهي، فالعبادة لله، والطاعة له ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وهي إنما تكون بامتثال الأمر الشرعي.

أما الصوفية المعاصرة ـ التي تنتسب إليها، وولدت من مخاضها العزمية ـ فلها شأن آخر، وهي وإن كانت امتداداً للصوفية المنحرفة التي بدأت بعد قرون الخير والفضل، إلا أنها غالت في عدائها لأهل السنة والجماعة، واعتبرت كل من عدا الصوفية هم من الخوارج بلا استثناء، وتكفينا بعض النقول من كلماتهم لتدل على أحوالهم في هذا الباب، ومن ذلك كتابات عز الدين أبو العزائم ـ شيخ الطريقة السابق ـ في افتتاحية مجلتهم " الإسلام وطن "، فقد كان يكتب باستمرار تحت عنوان " إسلام الصوفية هو الحل لا إسلام الخوارج "، والخوارج الذين يقصدهم هم الإخوان والجهاد والسلفيون، وغيرهم، ممن ينكرون على الصوفية نهجهم وانحرافهم، ولذلك نرى مجلتهم ومطبوعاتهم تنبني على هذه الحرب ... فمثلاً العدد 79 في أغسطس 1993 من مجلة " الإسلام وطن " يحمل ملفاً كاملاً عن البداية الصوفية والنهاية الخارجية للإخوان المسلمين، وعلى رأسهم حسن البنا، ويتصدر غلاف العدد) يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان .. بداية صوفية ونهاية خارجية (، وفي افتتاحية العدد نفسه يقول: (إن الغناء لتحريك المحبة الكامنة في القلب تختلف أحكامه باختلاف موضوعه: فقد يكون مندوبًا، أو مباحًا، أو حراماً " .. وفي تدليله على حلّ الغناء يسوق دليلاً عجيباً، لا يكون في هذا المكان ولا يصلح للاستدلال به في هذا الموضع، يقول في أدلة حليّة الغناء من الكتاب والسنة وعمل الصحابة والتابعين، فمن الكتاب قوله تعالى: " ورتّل القرآن ترتيلاً "، فجعل السيد عز الدين هذه الآية الكريمة دليلاً على حلّ الغناء!!

وليس موضوع الغناء هو الذي يشغلنا هنا، ولكن الذي يشغلنا هنا هو نهج هؤلاء الصوفية، فبعد قليل من تدليله الفاسد على حلّ الغناء يتغامز السيد عز الدين بسبّ من قال بحرمة الغناء فيقول: " لعله خيال هجس ببال أبواق ثالوث التكفير لتحريم السماع، بزعم إجماع المسلمين على تحريمه "، ولا أدري أمن الخيال تحريم السماع بدليل شرعي قوي؟! أم أن الخيال الحق هو تحليل السماع بغير دليل معتبر؟!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير